القدرة شرط في صحة التكليف وإلا لكان عليه أن يستثني ، ويقول : اجتنبوا عن كل المعاصي إلا واحدة أو اثنتين مثلا ، لأنكم لا تقدرون عليها.
وهذا الاستثناء يخرج ذلك المورد عن أن يكون معصية من الأساس. وقد يكون أمثال سلمان الفارسي ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمار ، والشيخ المفيد ، والصدوق مثلا معصومين عن ارتكاب أية معصية أو مخالفة عن عمد وقصد.
نعم ، ربما يكون الفرق بين هؤلاء ، وبين النبي والإمام : أن النبي والإمام عليهم أفضل الصلاة والسلام لا تخطر في باله المعصية أصلا ، ولا يشتاق إليها ، لا نكشاف الواقع له ، ورؤيته مفسدته ومصلحته رأي العين ، هذا بالإضافة إلى أنه أوسع وأعمق معرفة بجلال وعظمة الله تعالى وملكوته وأشد إحساسا بحضور الله معه ، بخلاف سائر المكلفين ؛ فإنهم قد لا يعرفون علل كثير من الأحكام ، ولا اطلاع لهم على عظمة وجلال وملكوت الله بنسبة اطلاع الأئمة والأنبياء «عليهم السلام» ، فقد يشتاقون إلى بعض المعاصي ، ولكنهم يمتنعون عنها تعبدا وطاعة لله ليس إلا.
وخلاصة الأمر : أن مستويات الناس مختلفة ؛ فتختلف درجات التزامهم ، والعلماء عادة يكونون أكثر التزاما ؛ وإن كان ربما يوجد من بينهم من يضعف عقله أمام شهواته وغرائزه ، فيضعف التزامه ، وتقل نسبة معصوميته عنها في غيره ، وهؤلاء قليلون جدا بل ربما لا يوجدون في العلماء الحقيقيين ، ولذا نجد الله تعالى يتمدحهم بذلك فيقول : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(١).
__________________
(١) الآية ٢٨ من سورة فاطر.