هذا كله ، عدا عن أن كون الخمر من الفواحش ظاهر ، فإن العرب كانوا يدركون سوءها كما يظهر من الحلبي (١).
ولذا نرى : أن عددا كبيرا منهم ممن يحترم نفسه ، وشرفه ، وسؤدده ، قد حرمها على نفسه ، كأبي طالب «عليه السلام» ، وعبد المطلب (٢) ، وجعفر بن أبي طالب (٣) ، وقيس بن عامر ، وعامر بن الظرب ، وصفوان بن أمية ، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم عن قريب.
بل إن عبد الله بن جدعان ، الذي كان مولعا بها ، قد صرح بأنهم كانوا يسمونها بالسفاه ، وأنه آنس بسببها الهوان ، فهو يقول :
شربت الخمر حتى قال قومي |
|
ألست عن السفاه بمستفيق |
وحتى ما أوسد في مبيت |
|
أبيت به سوى الترب السحيق |
وحتى أغلق الحانوت مالي |
|
وآنست الهوان من الصديق |
ثم حرمها على نفسه ؛ فلم يقربها (٤).
وبعد نزول هذه الآية ، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ فلا يعقل أن يعتبرها العرب إلا من الفواحش. ثم إن عطف الإثم الذي هو الخمر على الفواحش ، من باب عطف الخاص على العام ، لمزيد الاهتمام به ، وحرصا على الردع عنه ، لأنه مما تألفه النفوس عادة وتميل إليه ، فيحتاج إلى
__________________
(١) راجع : السيرة الحلبية ج ١ ص ١٣٨.
(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١١٣.
(٣) قاموس الرجال ج ٢ ص ٣٦٩ عن الأمالي.
(٤) نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٩٢.