ثانيا : لو سلمنا أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يميل إلى رأي أبي بكر من أول الأمر ، وأنه جلس يبكي مع صاحبه ـ كما ذكروه في مصادرهم ـ فلماذا يقول لعمر : لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة. إذ كيف لا يكون هو مع من استحق العذاب ، وهو الذي وافقهم ، وهوي ما هويته نفوسهم؟!
وثالثا : إن الالتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(١).
كما أنه لا يبقى معنى ـ والحالة هذه ـ لأمر الله تعالى للناس بإطاعة الرسول «صلى الله عليه وآله» ، حيث قال : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٢) حتى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنبهم ، ثم يتهددهم. لقد كان يجب أن يتوجه التأنيب والتهديد للرسول «صلى الله عليه وآله» ، والمدح والثناء لهم ، لأنهم عملوا بوظيفتهم.
ورابعا : إن مجرد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقابا ، إذ غاية ما هناك : أنهم قد اختاروا غير الأصلح. وإذا ، فلا بد أن يكون ثمة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته ، وهو أنهم حين أصروا على أخذ الفداء قد أصروا على مخالفة الرسول ، والتعلق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة الله للآخرة ـ كما قال تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(٣) ـ بعد بيان النبي «صلى الله عليه وآله» لهم بصورة صريحة ، إذ لا عقاب قبل
__________________
(١) الآيتين ٣ و٤ من سورة النجم.
(٢) الآية ٥٩ من سورة النساء.
(٣) الآية ٦٧ من سورة الأنفال.