وفي رواية أخرى : أنه لما طلب منه الفداء ادعى : أنه كان قد أسلم ، لكن القوم استكرهوه.
فقال له «صلى الله عليه وآله» : الله أعلم بإسلامك ، إن يكن ما تقول حقا ؛ فإن الله يجزيك عليه ، فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا (١).
وهذا يدل على أنه لا مجال لدعوى : أن العباس كان قد أسلم قبل بدر سرا ، كما عن البعض (٢). إلا إذا أراد أن يستند في ذلك إلى دعوى العباس نفسه ، وهي دعوى لم يقبلها منه رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ومما يدل على أنه لم يكن في بدر مسلما عدا ما تقدم : أنه لما أسر يوم بدر أقبل المسلمون عليه ، يعيرونه بكفره بالله ، وقطيعة الرحم ، وأغلظ له علي القول : فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا ، ولا تذكرون محاسننا؟
فقال له علي : ألكم محاسن؟
قال : نعم ، إنا لنعمر المسجد الحرام ، ونحيي الكعبة ، ونسقي الحاج ، ونفك العاني.
فأنزل الله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ)(٣).
__________________
(١) المصدران السابقان ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٩٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٨.
(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٣٠٨ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨٨ و١٩٨ ، وطبقات ابن سعد ج ٤ ص ٢٠ قسم ١.
(٣) الآية ١٧ من سورة التوبة. والحديث في : أسباب النزول للواحدي ص ١٣٩ ، وليراجع الدر المنثور ج ٣ ص ٢١٩ عن ابن جرير ، وأبي الشيخ عن الضحاك ، لكن الآية هي آية سقاية الحاج الآتية.