بل لقد جاء أنه لم يظهر للعباس إسلام إلا عام الفتح (١).
وهذا التعبير هو الأقرب إلى الصواب ؛ فإنه إن كان قد أسلم في بدر : كما يدل عليه ما تقدم ، ولا سيما رواية تفسير البرهان المعتبرة سندا. فإنما أسلم سرا ، وكان يتظاهر للمشركين بما يرضيهم ، حفاظا على مصالحه ، وأمواله ، وعلاقاته ، فإن قريشا لم تكن تتحمل وجود مسلم بينها هذه السنوات الطويلة ، وحروبها مع محمد قائمة على قدم وساق ، يقتل أبناءها وإخوانها ، ويعور عليها طريق متجرها ، ويذلها بين العرب ، ولا سيما إذا كان ذلك المسلم هو عم ذلك الرجل وقريبه.
وصداقته مع أبي سفيان لم تكن لتسمح له بالبقاء في مكة ، فإن القرشيين قد نكلوا بأحبائهم فكيف يسكتون عن أصدقائهم؟ وشروط قريش على النبي «صلى الله عليه وآله» في الحديبية أدل دليل على شدتها في هذا الأمر ، وعدم تسامحها فيه على الإطلاق.
نعم ، ربما يقال : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمره بالمقام بين أظهرهم ليكون عينا له.
ويقال : إنه كان يكتب للنبي «صلى الله عليه وآله» بأخبارهم ، وقد أخبره بحرب أحد على ما يظن. ولكن ذلك لا يدل على إسلام العباس ، نعم ، هو يدل على نصحه لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ولو بدافع الرحم والحمية ، فلا بد أن يعرف الرسول «صلى الله عليه وآله» ذلك له ، ويكافئه عليه.
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٩.