الطريق ، فإن هذا الأسلوب هو الذي يتصل بالعقل ، فيعطيه وضوحا ووعيا وأصالة ، ويتفاعل مع الشعور ليمده بالحيوية والفاعلية ، وينقله إلى رحاب الضمير ، ليتربى ويتكامل في ظل الوجدان ، وتحت حمايته ، ليصبح في حالة متوازنة ، مرضية ومقبولة ..
وهذا بالذات هو ما يفسر لنا اهتمام الإسلام بالتركيز على الحدث ، ثم ربطه بالحقائق الكلية ، بما لها من عموم وشمول ، ليصبح ذلك الحدث هو الوسيلة الواقعية لربط هذا الإنسان بتلك الحقائق ، وتفاعله معها.
وهكذا .. يتضح : أن القرآن حين يتحدث عن الوقائع والأحداث ، فإنه يفهمنا : أنه لا يريد أن يلقي على الإنسان حقائق مجردة ، ومنفصلة عن الواقع ، ولا تلامسه ولا تلتقي معه ، وذلك حينما تبقى مجرد صورة ذهنية ، وتخيلات مثالية باردة ، لا تؤثر في المشاعر ، ولا تتصل بالعقل ، ولا تتفاعل مع الوجدان.
وإنما هو يريدها حركة في الفكر ، وثورة في الشعور ، وحالة متوازنة في الوجدان ، وتجسيدا واقعيا لكل ذلك على صعيد السلوك والموقف.
الله هو الذي أخرجهم :
قال تعالى في سورة الحشر : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).
__________________
(١) الآية ٢ من سورة الحشر.