ثم أيدوا ذلك أيضا : بأن الإفك كان بعد فرض الحجاب. وقد فرض الحجاب سنة أربع ، على قول بعضهم. بل لقد «جزم خليفة ، وأبو عبيدة وغير واحد بأنه سنة ثلاث» (١). وكذا قال اليافعي (٢).
ونحن هنا لا نستطيع أن نقبل أقوال هؤلاء وتأييداتهم ونخالف المعروف والمشهور ، وذلك لأسباب عديدة :
أولا : إن جعل ذكر سعد بن معاذ في حديث الإفك دليلا على وهم من قال بكون المريسيع سنة ست ، ليس بأولى من العكس ، وجعل قول أهل الحديث والتاريخ دليلا على الوهم في حديث الإفك ، ومن أسباب الشك فيه ، ولا سيما بملاحظة : أن أكثر المحدثين يذهبون الى ذلك كما تقدم.
وقد صرح عدد من العلماء بالإشكال على حديث الإفك بذلك ، كالقاضي عياض ، الذي قال : إن بعض شيوخه قد نبّه على أن ذكر سعد بن معاذ في الرواية وهم. والأشبه أنه غيره ، ولهذا ذكر ابن إسحاق : أن المتكلم أولا وآخرا هو أسيد بن حضير (٣).
وممن استظهر أن المحاورة كانت مع أسيد بن حضير : ابن عبد البر ، لأن ابن معاذ كان قد توفي.
وتعرض لهذا الإشكال أيضا : ابن العربي. حتى لقد قال : «اتفق الرواة : على أن ذكر ابن معاذ في قصة الإفك وهم». وتبعه على هذا الإطلاق
__________________
(١) فتح الباري ج ٧ ص ٣٣٣.
(٢) مرآة الجنان ج ١ ص ٧.
(٣) شرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٢٦ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٦٠).