اضرب غلماني والق أصدقائي إلّا واحدا ، فإنّ إخراج الواحد من كليهما محال ، إذ لفظة واحد موضوعة لمفرد ما ، ويتخيّر المخاطب في اختيار أيّ فرد يريد إذا قيل له : جئني بواحد من الغلمان ، لا يخرجه عن المفرديّة ، فلا يصحّ جريان الكلام والبحث في هذا المثال إلّا بإرادة واحد من الأصدقاء وواحد من الغلمان ، فيتبادل إرادة الإخراج بالنسبة الى كلّ واحد منهما في الواحد ، فمن يقول : إنّه يرجع الى الجميع ، يقول : إنّ المراد اضرب غلماني إلّا واحدا منهم ، والق أصدقائي إلّا واحدا منهم ، وإن فسّر الجميع بالمجموع لا كلّ واحد ، لكفى إخراج واحد من المجموع.
الثالث : إنّ جعل قول القائل : لا أكلت ولا شربت ولا نمت إلّا باللّيل ، بمعنى لم أفعل هذه الأفعال إلّا باللّيل ، مجاز وخروج عن الأصل ، لا يصار إليه إلّا بدليل.
وأيضا جعل قول القائل : إلّا العلماء بعد قوله : اضرب بني تميم ، وأهن بني أسد ، واشتم بني خالد ، راجعا الى الجميع ، إنّما هو لأجل أنّ الجمع المحلّى باللّام حقيقة في العموم ، وإرادة علماء بني خالد فقط منه توجب التخصيص (١) ، وهو خلاف الأصل ، ولكن يعارضه (٢) لزوم تخصيص بني تميم وبني أسد ، أو إرادة هذه الجماعات من مجموع الجمل ، فالأمر يدور فيه بين مجازات ثلاثة.
إذا تحقّق هذا فنقول : كلّ استثناء يستدعي مستثنى منه واحدا ، فلا بدّ أن يكون كلّ من المستثنى منه والاستثناء والمستثنى وحدانيّا ، فكما لا يجوز استعمال اللّفظ المشترك في أكثر من معنى ، كما حقّقناه في محلّه ، ولا اللّفظ في معنييه الحقيقي والمجازي كما بيّنا ، فكذلك لا يمكن إرادة فردين من الماهيّة بالنكرة المفردة ولو
__________________
(١) في العلماء.
(٢) وبعد المعارضة يرجّح الأوّل لما سيأتي.