وليعلم أوّلا : أنّه لا جدوى لنا في التعرّض إلى القدح في أدلّتهم التي أقاموها على حجّية الإجماع ، لأنّ الإجماع على مصطلحهم (١) إذا ثبت فلا ريب أنّه حجّة عندنا أيضا.
ولكن نتعرّض لذكر أدلّتهم ، والكلام فيها على وجهين :
أحدهما : بيان نفس الأمر.
والثاني : إظهار أنّ ما تشبّثوا به في وجه حجّية الإجماع ، لا يمكن أن يعتمد عليه ، فيبطل كلّ ما يعتمدون في إثباته عليه إلزاما عليهم بعد إبطال المستند ، ومن ذلك أصل مذهبهم ودينهم. فنحن نلزمهم إمّا ببطلان طريقتهم من جهة عدم حجّية الإجماع إن كان مستنده ما ذكروه على معتقدهم إلزاما ، أو بمنع تحقّق الإجماع المصطلح فيما يضرّنا تسليمه في مذهبنا ، سواء سلّمنا مستندهم فيه أم لا ، مع أنّ حجّية الإجماع عندهم ليس بوفاقي ، بل أنكره النظّام (٢) وجعفر بن
__________________
(١) وذلك لأنّ الاجماع على مصطلحهم كما مرّ في أوّل القانون هو اتفاق المجتهدين من هذه الأمة على أمر ديني في عصر من الأعصار ، ولا ريب أنّه اذا ثبت الاجماع بهذا المعنى ، فهو كما انّه حجّة عندهم فهو حجّة عندنا أيضا.
(٢) ابراهيم بن سيّار بن هانئ البصري ابو اسحاق النظام (١٨٤ ـ ٢٣١ ه) ـ وقيل توفي سنة ٢٢١ ـ وهو من أئمة المعتزلة ومن شيوخ الجاحظ. نشاء في البصرة واقام ببغداد تبحّر في الفلسفة وله آراء تبعه فيها فرقة من المعتزلة سميت بالنظامية. وشهرته بالنظام لانه يجيد نظم الكلام ، وأمّا خصومه فقالوا لأنه كان ينظم الخرز في سوق البصرة أيام فقره. ولقد كان النظام أصوليا قد أنكر حجية الاجماع وردّه وألّف كتابا سماه «النكث في عدم حجية الإجماع». قال إمام الحرمين في كتابه «البرهان في اصول الفقه» : وأوّل من باح برده (اي كون الاجماع حجة في السمعيات). وقال الغزالي في «المستصفى» ص ١٧١ : وذهب النظام الى أنّ الاجماع عبارة على كل قول قامت حجته وان كان قول واحد. ـ