ودلائل لمعرفته ، وقصصا عمّن غبر (١) ووعدا ووعيدا وإخبارا بما سيجيء ، وما كان ذلك إلّا لأن يفهم قومه ويعتبروا به ، وقد فهموا وقطعوا بمراده تعالى من دون بيانه صلىاللهعليهوآله ، وما جعل القرآن من باب اللّغز والمعمّى بالنسبة إليهم ، مع أنّ اللّغز والمعمّى (٢) أيضا ممّا يظهر للذكيّ المتأمّل من أهل اللّسان والاصطلاح ، بل أصل الدّين ، وإثباته إنّما هو مبنيّ على ذلك ، إذ النبوّة إنّما تثبت بالمعجزة (٣) ، ومن أظهر معجزات نبيّنا صلىاللهعليهوآله وأجلّها وأتقنها هو القرآن.
والحقّ ، أنّ إعجاز القرآن هو من وجوه : أجلّها وأقواها بلاغته ، لا مجرّد مخالفة اسلوبه لسائر الكلمات. ولا يخفى أنّ البلاغة هو موافقة الكلام الفصيح لمقتضى المقام وهو لا يعلم إلّا بمعرفة المعاني.
والقول : بأنّ العرب كانت تتوقّف في فهم المعاني على بيان النبيّ صلىاللهعليهوآله من دون أن يفهموه بأنفسهم ثمّ تعلم البلاغة شطط من الكلام ، مع أنّ الأخبار الدالّة على جواز الاستدلال به ولزوم التمسّك به ، قريب من التواتر أو متواترا.
منها : ما ذكره أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبته المذكورة في «نهج البلاغة» قال فيها : «والصلاة على نبيّه الذي أرسله بالفرقان ليكون للعالمين نذيرا وأنزل عليه القرآن ليكون إلى الحقّ هاديا وبرحمته بشيرا ... فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه» (٤). إلى آخر ما ذكره عليهالسلام من هذا النمط.
__________________
(١) أي عمن سلف ، والغابر هو الماضي كما في الصّحاح.
(٢) قيل في الفرق بينهما انّه لا إشارة في المعمّى بخلاف اللّغز أو انّ اللّغز ما أورد فيه سؤال بخلاف المعمّى وقيل غير ذلك.
(٣) قال في «المجمع» ٤ / ٢٥ : إنّ المسلمين ذكروا لنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ألف معجزة منها القرآن وهي أمر خارق للعادة مطابق للدعوى المقرون بالتحدي.
(٤) نهج البلاغة : الخطبة ٣١٨.