ومنها : خبر الثّقلين (١) الذي ادّعوا تواتره بالخصوص ، فإنّ الأمر بالتمسّك بالكتاب سيّما مع عطف أهل البيت عليهمالسلام عليه صريح في كون كلّ منهما مستقلّا بالإفادة وعدم افتراقهما كما في بعض رواياته (٢) لا يدلّ على توقّف فهم جميع القرآن (٣) ببيان أهل البيت عليهمالسلام ، فإنّ ذلك لأجل إفهام المتشابهات ، وما لا يعلم تأويله إلّا الله والرّاسخون في العلم ، فإنّا مذعنون بما قاله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ)(وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) الآية (٤). فإنّ المراد بالمتشابه هو مشتبه الدّلالة ، والمحكم في مقابله.
وما قيل : إنّ المراد من المتشابه مشتبه ، فيحتمل أن يكون الظاهر منه لجهالة معناه بالنسبة إلى الواقع ، وكذلك المراد بالمحكم لما يستفاد من بعض الأخبار أنّ المحكم هو ما يرادف النصّ أو المراد به الناسخ.
ففيه ما لا يخفى ، إذ من المعاين الغنيّ عن البيان ، أنّ مجرى عادة الله في بيان
__________________
(١) وهو قوله صلىاللهعليهوآله : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا».
(٢) اشارة الى قوله صلىاللهعليهوآله : «فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
(٣) ويدل على ذلك ما هو مروي عن ابن عباس انّه قسّم وجوه التفسير على أربعة أقسام : قسم لا يقدر أحد إلّا بجهالته ، وقسم يعرفه العرب بكلامها ، وقسم يعرفه العلماء ، وقسم لا يعرفه الّا الله. فالأول : ما فيه من أصول الشرائع والأحكام وحمل دلائل التوحيد.
والثاني : حقائق اللّغة وموضوع كلام العرب ، والثالث : تأويل المتشابه وفروع الأحكام. والرابع : ما يجري مجرى الغيوب وقيام السّاعة.
(٤) آل عمران : ٧.