نفس من تكلّم به وأخبر به فقط.
والذي أوجب التعبير بهذه العبارة في مذهب النظّام وأوقع المتوهّم في الوهم هو الاستدلال بقوله تعالى إنّهم : (لَكاذِبُونَ ،)(١) من حيث إنّ الواصف بالكذب هو الله تعالى ، مع أنّ علمه تعالى مخالف لما اعتقدوه ، فوصف الله تعالى هذا الخبر بالكذب لأجل محض كونه مخالفا لاعتقاد المخبرين.
ويدفعه : أنّ ذلك الاستدلال لا بدّ أن يكون بالنظر إلى اعتقاد المخبرين يعني (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بالنظر إلى اعتقادهم أنّهم موصوفون بالكذب عند أنفسهم وفي اعتقادهم ، وبالنظر إلى ملاحظة مخالفته لمعتقدهم ، لا أنّه كذب عند غيرهم أيضا ممّن لم يعتقد ذلك ، وإلّا فيلزم أن ينحصر اتّصاف الخبر بكونه صدقا أو كذبا بالنظر إلى ملاحظة حال المخبر فقط ، ولم يكن بالذّات متّصفا بصدق ولا كذب ، فتأمّل حتّى لا تتوهّم أنّ ما ذكرناه هو ما ذكروه (٢) في الجواب عن الاستدلال بالآية بعد تسليم رجوع الكذب إلى قولهم : (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ،)(٣) بأنّ المراد إنّهم :(لَكاذِبُونَ) في زعمهم ، فإنّه معنى آخر.
وحاصله ، أنّهم يزعمون ويعتقدون أنّ هذا كذب لمخالفته للواقع (٤) ، لا إنّهم كاذبون (٥) لأجل مخالفته لمعتقدهم.
__________________
(١) المنافقون : ١.
(٢) أي لا تتوهم رجوع ما ذكرنا في توجيه الاستدلال على مذهب النظّام الى ما ذكروه في الجواب عن استدلاله على المشهور ، من أنّ المراد إنّهم كاذبون في زعمهم وعند أنفسهم ، فيكون التوجيه إفساد للاستدلال لا إصلاحا له ، هذا كما في الحاشية فكيف يريده النّظام وهو مناف لمذهبه.
(٣) المنافقون : ١.
(٤) هذا ردّ على النظّام.
(٥) وهو مراد النظّام.