والحاصل ، أنّ مذهب النظّام لا بدّ أن ؛ يكون أنّ الصدق والكذب هما مطابقة الخبر لاعتقاد من يطّلع على الخبر ويلاحظه ، سواء كان نفس المخبر أو غيره. والاستدلال بالآية بتقريب أنّ الله تعالى أطلق الكذب على مثل ذلك ، فإنّ ما شهدوا به كذب لكونه مخالفا لاعتقادهم.
والجواب عنه : منع رجوع قوله تعالى : (لَكاذِبُونَ)، إلى هذا الخبر أوّلا ، ومنع كونه لأجل مخالفته لمعتقدهم (١) من حيث إنّه مخالف لمعتقدهم ، بل لأجل أنّه مخالف للواقع بحسب معتقدهم ، من حيث إنّه مخالف للواقع في معتقدهم ثانيا.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر جواب آخر عن استدلال النظّام غير ما ذكرنا سابقا ، وهو أنّ ذلك حينئذ تقييد لإطلاق الآية وخلاف ظاهرها ، فلا بدّ من حملها على أحد الوجوه المتقدّمة لئلّا يلزم ذلك ، وإن كان ولا بدّ من التقييد ، فتقيّده بما ذكروه في جوابه (٢) على النهج الذي قرّرناه هاهنا.
ثمّ بالتأمّل فيما ذكرنا تقدر على معرفة بطلان سائر الفروع التي ذكرها رحمهالله (٣) ، ووافقه الشهيد الثاني رحمهالله في «تمهيد القواعد» (٤) في ذكر الفرع الأخير ، لكنّه رحمهالله لم ينقل فيه مذهب النظّام ، بل اكتفى بنقل مذهب المشهور ومذهب الجاحظ ، كالعلّامة رحمهالله في «التهذيب» (٥) ، ثمّ قال (٦) : إذا عرفت ذلك ، فمن فروع القاعدة ما
__________________
(١) كما مرّ في الجواب السادس.
(٢) أي نحملها على ارادة إنّهم كاذبون في زعمهم واعتقادهم مخالفة خبرهم للواقع.
(٣) الشيخ البهائي.
(٤) ص ٢٤٧ في القاعدة «٩١».
(٥) ص ٢٢٠.
(٦) الشهيد في «القواعد» ص ٢٤٧.