وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (١).
وكان كعب بن زهير قد شرع يحرك حربة شعره التضليلي ، الذي يرتكز إلى الإفك والبهتان ، وينضح بالإثم والعدوان ليسددها إلى قلب الهدى ، وعنوان السداد والرشاد ، ليختطف منه نوره الباهر ، ووضوحه وبهاءه الظاهر ، ليجعله أسيرا بأيدي الأهواء ، حيث تتحكم به النفوس الطامحة وهي غارقة في حمأة شهواتها ، ورهينة لدى الغرائز الجامحة في نزواتها.
وقد كان خلق رسول الله «صلىاللهعليهوآله» آية من آيات الجمال والكمال ، الذي شهد به القاصي والداني ، واعترف به العدو والصديق.
ورغم كل الحقد الذي كان يعتلج في صدورهم ، فإن ذلك الخلق الرضي كان يجتذبهم إلى هذا الدين ، ويزيل غيظهم ، ويذهب بحقدهم ، لأنه كان يلامس وجدانهم ، ويخاطب عقولهم ، وينسجم مع فطرتهم.
وقد حاول كعب بن زهير : أن يستخف عقول الناس ، ويستثير فيهم أهواءهم وغرائزهم ، لكي يهيمن على مشاعرهم ، ويقيم الحواجز والسدود التي تعزل ضمائرهم وفطرتهم ، وتحجبها عن ملامسة ذلك الخلق الرضي ، حتى لا يبقى للناس سبيل هداية ، ولا بصيص نور رشاد ، ولا سداد ، من دون أن يقدم أي مبرر لفعله هذا ، مهما كان تافها وسخيفا ، سوى أن خلق النبي «صلىاللهعليهوآله» يخالف خلق الآباء ومن تابعهم ، فقال :
على خلق لم تلق (تلف) أما ولا أبا |
|
عليه ولم تدرك عليه أخا لكا |
إن كعب بن زهير قد اقترف بفعله الرخيص هذا أعظم الجرائم ،
__________________
(١) الآيات ٢٤ ـ ٢٦ من سورة الشعراء.