كما أنَّ الخمر تذهب بالعقل وتأخذ الإنسان من نفسه ، كذلك العشق والمحبة ـ رزقنا الله تعالىٰ ـ تأخذ الإنسان من نفسه ، وتسكره سكراً ليس له صحو وإفاقة إلىٰ صباح القيامة.
وقد وصفها الله تعالىٰ في كتابه الكريم ، قال : ( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّـهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا ) (١). وقال : ( وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلًا ) (٢).
وقال تعالىٰ : ( وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ) (٣) أي مزاج الرحيق المختوم ، وهو ما يمزج به ( من تسنيم ) : وهو عين في الجنة ، ينصبّ علىٰ أهلها من علوّ ، وهو أشرف شراب في الجنة. قال تعالىٰ : ( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) (٤).
وفي مجمع البيان : « أي هي خالصة للمقرّبين ، يشربونها صرفاً ، ويمزج لسائر أهل الجنة » (٥).
اعلم أنّ مشرب العرب في شربهم مختلف ، فمنهم من يشرب صرفاً ، كما قال الشاعر :
يا ساق لا تشعشع الراح بما |
|
فهو يكفّ عاملاً عن عمل |
وقال ابن الفارض :
عليك بها صرفاً وإن شئت مزجها |
|
فعدلك عن ظلم الحبيب هو الظلم (٦) |
ومنهم من يشرب مزجاً ، كما قال الشاعر :
فقلت : اقتلوها عنكم بمزاجها |
|
[ فأطيب ] (٧) بها مقتولة حين تقتل (٨) |
وقال أبو القاسم الحريري في مقاماته توريةً :
_____________________________
(١) « الإنسان » الآية : ٥ ـ ٦. |
(٢) « الإنسان » الآية : ١٧ ـ ١٨. |
(٣) « المطففين » الآية : ٢٧. |
(٤) « المطففين » الآية : ٢٨. |
(٥) « مجمع البيان » ج ١٠ ، ص ٥٨١. |
(٦) « ديوان ابن الفارض » ص ١٨٤. |
(٧) من المصدر ، وفي المخطوط : « فحب ». |
(٨) « ديوان الأخطل » ص ١٥٥. |