غيث السماء ، ومنها : ما يكشف الغطاء ، ومنها : ما يعجّل الفناء ، ومنها : ما يُظلم الهواء ، ومنها : ما يورث الندم ، ومنها : ما يهتك العصم ، ومنها : ما يدفع القسم ، إلىٰ غير ذلك ».
ثمّ قال : « واعلم أنَّ جميع الذنوب منحصرة في أربعة أوجه لا خامس لها : الحرص ، والحسد ، والشهوة ، والغضب ، هكذا روي عنهم عليهمالسلام » (١) انتهىٰ.
أقول : لعل مراده بالانحصار في الأوجه الأربع أنَّ أسباب الذنب منحصرة في هذه الأوجه ، بل منحصرة في الشهوة والغضب فقط ؛ لأنَّ الحرص والحسد من صفات الشهوة والغضب ، وخواصّهما : الهتك والمزق والخرق.
و ( العِصَم ) : جمع « عصمة » ، كـ « نِعَم » : جمع « نعمة » ، وهي لغةً (٢) : المنع. وفي اصطلاح الفقهاء والحكماء : كيفيّة روحانية يمتنع بها صدور الخطأ عن صاحبها ؛ لعلمه بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.
فإذا بلغ الكلام إلىٰ هذا المقام ، فالأنسب أن نفصّل العصمة بأنّها ما هي وفي من هي ؟ وفي كم هي ؟ ومتىٰ هي ؟ وعمّ هي ؟ ولِمَ هي ؟
أما الأوّل : فقد ذكرتها.
وأمّا الثاني : فهي في الأنبياء والأئمة الاثني عشر ، وفي الملائكة.
والظاهريون الذين قالوا : إنّ الملائكة أجسام لطيفة هوائية ، تقدر علىٰ التشكّل بأشكال مختلفة ، مسكنها السماوات ، وفيهم داعية الشهوة والغضب ، يجوّزون عليهم المعصية ، واختلفوا في عصمتهم.
وعمدة ما أوقعهم في الشبهة والاختلاف في عصمة الملائكة أمران :
أحدهما : الاستثناء في قوله تعالىٰ : ( فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ ) (٣).
_____________________________
(١) « مجمع البحرين » ج ٢ ، ص ٦١. |
(٢) « لسان العرب » ج ٩ ، ص ٢٤٤ ، مادة « عصم ». |
(٣) « البقرة » الآية : ٣٤.