ثم إنَّ حرف الباء في قوله : ( بذكرك ) للسببيّة.
فبالجملة ، ذكره تعالىٰ في جميع الأحوال حسن ، والعقل الهيولاني في أوّل الأمر وابتداء الحال يتسدعي الصورة ، كالهيولىٰ الاُولىٰ التي تستدعي الصورة الجسمية. فصوّروا العقل بذكر ذاته تعالىٰ وذكر أسمائه وصفاته ، ولا ترتسموه بصور داثرات مخلوقاته من الأباطيل الزائلة الفانية ، والترّهات العادمة غير الباقية.
الله في كلّ شؤون اذكرا |
|
فإنّ ذكر الله كان أكبرا |
ومنه جا حثّ عليه في الخلا |
|
وحائض وقاطئ وما خلا |
( وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إلىٰ نَفْسِكَ )
أي أجعلك شفيعاً لشفاعة نفسي الخاطئة الجانية إِلىٰ ذاتك المقدّسة العالية في العاجلة والآجلة ، يوم لا يشفع الشافعون إلّا باذنك ، وهو يوم : ( لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) (١).
والشفاعة ـ كالمغفرة والعفو ـ تقع لأصحاب الكبائر إذا ماتوا بلا توبة ، وجميع العلماء اتفقوا علىٰ هذا ، إلّا المعتزلة فإنّهم في كتبهم فسّروا الشفاعة بطلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب ، وقالوا أيضاً بمنع العفو لأصحاب الكبائر.
وقال صدر المتألهين قدسسره : « إنّ حقيقة الشفاعة بروز صور دلالات الأدلّاء علىٰ الله في الدنيا بصور الشفاعات في الاُخرىٰ ، إذ الكلّ يسعدون بدلالة شرائع الأنبياء ورُشد طرائق الأئمة الهداة عليهمالسلام في الاُخرىٰ ، وهداية النبي الداخل ـ أعني : العقل الذي هو الحجّة البالغة أيضاً ـ بهداية روحانية النبي والوصي والولي الخارجِيين ؛
_____________________________
(١) « الأنبياء » الآية : ٢٨.