اعلم أنّ النفس كما عرفها الحكماء (١) : جوهر مجرد في ذاتها لا في فعلها ، وأقوىٰ دليل علىٰ تجرّدها تجرّد عارضها ، كما قالوا : النفس مجرّدة لتجرّد عوارضها ، وهي جسمانية الحدوث وروحانية البقاء ؛ إذ البدن وآلاته وقواه الماديّة الحالّة فيه مرتبة من مراتب النفس ، وهو جسم وجسماني.
وأقصىٰ مراتب النفس التي بها كينونتها السابقة وباطن ذاتها هو العقل الفعّال ، ثمَّ لها باعتبار صفاتها وشؤونها خمس مراتب ، كما أخبر عنها القرآن الكريم :
الاُولىٰ : الأمّارة ، وهي التي تمشي علىٰ وجهها تابعة لهواها ، كما قال الله تعالىٰ : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (٢).
الثانية : اللّوامة ، وهي شأنها تلويم نفسها إن اجتهدت في الإحسان ، أو قصرت عنه واجتهدت في الإساءة ، وقد أخبر عنها القرآن بقوله تعالىٰ : ( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) (٣).
الثالثة : المسوّلة ، وهي لا تزال تزيّن الأشياء من الأسباب الدنيوية ، من الدراهم والدنانير والضياع والعقار والنساء والبنات والبنين وغيرها عند نفسها ، أو تزيّن الأسباب الأُخروية من القصور والحور والجنّات والأنهار الأربعة وغيرها ، ثم يجتهد في تحصيلها من أيّ طريق اتّفق وعلىٰ أيّ وجه وقع ، كما قال الله تعالىٰ : ( بَلْ
_____________________________
(١) « الإشارات والتنبيهات » ج ٣ ، ص ٢٦٣ ؛ « شرح المواقف » ج ٧ ، ص ٢٥٤.
(٢) « يوسف » الآية : ٥٣. |
(٣) « القيامة » الآية : ٢. |