العقول : جواهر مفارقة عن المادّة رأساً ؛ لأنّها وإن لم تكن عين ماهيتها ، لكنّها عين وجودها ، دائمة بدوام وجودها. وفي الحيوان : كيفية نفسانية.
والمراد بالقدرة : العقل الفعّال الذي هو قدرة الله المتعال ، ومخرج النفوس جميعاً من القوة إلىٰ الفعل ، ومعلّم أنبياء الأولين والآخرين ، وهو المسمّىٰ بـ « روح القدس » و « جبرائيل » و « روح الأمين » ، في لسان الشرع المبين.
والمراد بتقديرها : إيجادها ؛ لأنّه وإن كان موجوداً دائماً بديمومة الله تعالىٰ ، ولكن بذاته ليس محضاً وإمكاناً صِرفاً ، كما قال الحكماء : الممكن من ذاته أن يكون الليس ، وله من علّته أن يكون الأيس.
أو المراد بالقدرة : مطلق الإيجاد ، والخلق والإحياء ، وبتقديرها : جعلها.
أو يكون المراد : إحياء الإنسان بخصوصه ، وكأن المراد بقوله :
( وَبالقَضِيَّةِ التي حَتَمْتَها وحَكَمْتَها )
هي قضية الإماتة والموت التي حَتَمها وحَكَمها علىٰ النفوس ؛ لإيصالها إلىٰ غاياتها الذاتية والعرضية ، ولأنّ الموت إن لم يُخلق لم تصل دورة الحياة والوجود الكوني الطبيعي إلينا ، بل إلىٰ الدورات الاُخريات التي تكون بعدنا ؛ إذ الممكنات غير متناهية ، فلابدّ أن تنقضي وتموت دورة ، حتىٰ تأتي وتحيا دورة اُخرىٰ ؛ لأنّه لو بقيت أشخاص الناس والحيوانات بلا نهاية لكان السابقون قد أفنوا المادّة ، التي منها التكون ، فلم يبق لنا مادّة يمكن أن نوجد ونتكون منها ، ولو بقيت لنا مادّة لم يبق لنا مكان ورزق.
وإن قلنا : نبقىٰ
نحن والذين بعدنا علىٰ العدم دائماً ، ويبقىٰ الأولون علىٰ
الوجود أبداً ، كان منافياً لحكمته تعالىٰ ؛ إذ ليسوا بدوام الوجود أولىٰ
منّا ، بل العدالة الإلٰهية تقتضي أن يكون للكل حظّ ونصيب من الوجود والحياة ، فوجب أن يموت السابق