فإذا عرفت تعريف النفس ومراتبها وأقسامها وبعض أحكامها ، فاعلم أنَّ خيانتها للعقل ـ في قول السائل ـ اتّباعها الشهوات العاجلة وهواجسها الدائرة الزائلة ، وهلوعها وولوعها فيها ، وتركها نصيحة العقل في الاُمور الآجلة واللذات الباقية الدائمة ، وتقويتها للوساوس الشيطانية التي مآلها النكال والعقاب ، والمانعة عن لقاء الله ، والحرمان من لقاء الجور ، والخلود في جهنم ، بئس المهاد والمآب.
وسبب اتباعها الشيطان وترك نصح العقل هو عدم معرفتها ذاتها وباطن ذاتها الذي هو العقل ، وحجّة الله التي أرسلها من الباطن إلىٰ الخلق ، وعدم طاقتها وتحمّلها مشاق التكاليف ، وعدم بصيرتها في امتياز الحقّ من الباطل ، والآجل من العاجل ، كما في الحديث : ( حُفّت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات ) (١).
ولهذا ، النفوس الضعيفة ـ في الأغلب ـ تركت اتّباع عيسىٰ العقل ، وركبت علىٰ حمير الأبدان ، وجعلت جلّ مقاصدها تعميرها وتسمينها.
ترك عيسىٰ كرده خر پرورده |
|
لا جرم چون خر درون بروده |
قال صاحب « إحياء العلوم » في كيفية محاربة النفس مع الشيطان والتطارد بين جنود العقل والجهل في معركة وجود الآدمي : « اعلم أنّ خاطر الهوىٰ يبتدئ أولاً فيدعوه إلىٰ الشر ، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلىٰ الخير ، فتنبعث النفس بشهوتها إلىٰ نصرة خاطر الشر ، فتقوىٰ الشهوة فتحسن التمتع ، فينبعث العقل إلىٰ خاطر الخير ، ويدفع في وجه الشهوة ويقبح فعلها ، وينسبها إلىٰ الجهل ، ويشبّهها بالبهيمة والسبع في تهجمها علىٰ الشر ، وقلة اكتراثها بالعواقب.
وتميل النفس إلىٰ نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة علىٰ العقل ، ويقوىٰ داعي
_____________________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٦٧ ، ص ٧٨ ، ح ١٢.