قال تعالىٰ حكاية عن يعقوب النبي عليهالسلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ ) (١).
والشكوىٰ المذمومة هي التي جاءت بها الرواية ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ( إنّما الشكوىٰ أن تقول : لقد ابتليت بما لم يبتلِ به أحد ، أو تقول : لقد أصابني ما لم يصب أحداً ، وليس الشكوىٰ أن تقول : سهرت البارحة وحُممت اليوم ) (٢).
( و ) عاطفة ، وكلمة ( ما ) في قوله : ( لما ) للاستفهام ، وقيامه سقوط الألف إذا دخلت عليه الحاء ، ومثل « لِمَ » و « بِمَ » و « إلىٰ مَ » وغيرها ، ولكن لمّا كان بعدها حرف من جنسها ، وهي الميم في ( منها ) ، ولم يكن محل الإدغام ، فلم يسقط ألفها. والضمير راجع إلىٰ ( الاُمور ).
الضجّة : الفزع.
وسبب البكاء ـ كما قيل ـ هو إدراك ما لا يلائم الطبيعة ، فإنه إذا أدرك أحدٌ الأمر الغير الملائم له تحرّك روحه البخاري من الظاهر إلىٰ الباطن ، هرباً منه ، فتتمدّد الأعصاب نحو الباطن ، ويضيّق أفضية الدماغ والعصبتين والصدر ، وينعصر منافذها ، ويحدث شكل البكاء ، ويخرج حينئذٍ بالضرورة ما في الدماغ من الرطوبات الرقيقة بالدمع والمخاط ، كما يخرج الماء من الإسفنجة المغموسة فيه عند غمز اليد عليها.
وحصول تلك الرطوبات واجتماعها في الدماغ بسبب أنّ الألم الموجب للبكاء يسخّن القلب عند توجّه الدم والروح إليه ، وحينئذٍ ترتفع منه ومن نواحيه أبخرة حارة إلىٰ الدماغ ، تذيب الرطوبات التي فيه وترقّقها وتسيّلها ، ثمّ تبرد هي بنفسها ، وتغلظ حين وقوفها فيه ، فتصير رطوبات ، فيدفعها الدماغ بالعصر إلىٰ جهة العين ، لاتصال [ ... ] (٣) بها ، وكلّما كان الموجب أقوىٰ كان الدمع أحرّ.
_____________________________
(١) « يوسف » الآية : ٨٦. |
(٢) « بحار الأنوار » ج ٧٨ ، ص ٢٠٢ ، ح ١. |
(٣) كلمة غير مقروءة في المخلوط.