ثمّ جعل العناية الإلهية هذه الأخلاط الأربعة ـ التي هي كالعناصر ـ مادّة لخلق الأعضاء السبعة الظاهرة من الرأس والظهر والبطن واليدين والرجلين ، والسبعة الباطنة من الدماغ والقلب والرئة والمرارة والطحال وأعضاء التناسل ، فأخذ من الأخلاط لخلق كلٍّ بحسبه وقدره علىٰ ما اقتضته الحكمة. وهذا هو الدور المعدني.
ثمّ خلق الله تعالىٰ في هذه الأعضاء الظاهرة والباطنة قوًىٰ نباتية ، من رؤساء أربع ـ أعني الغاذية ، والمنمّية ، والمولّدة ، والمغيّرة ـ وجعل لكلّ منها خوادم ، من الجاذبة ، والماسكة ، والهاضمة ، والدافعة ، والمربية. فجذبت الجاذبة دم الرحم من السرّة إلىٰ معدة الجنين ، ثم جذبت جاذبة الكبد الكيلوس من طريق الماساريقا ، فهضمته هاضمة الكبد حتىٰ صار كيموساً نضيجاً ، فخلق من زبدته وصفوته الروح النباتي ، فانبعاثه من الكبد كما قال عليهالسلام.
فالباقي من الأخلاط ما كان دماً دخل في الأوردة ، ووصل نصيب كلّ عضو إليه ، وما كان صفراء انجذب إلىٰ المرارة ، وخاصّيته ـ كما قال الأطباء ـ : تنقية الدم ؛ لأنّه بمنزلة النار ، ملطّف ومخلخل للدم.
وما كان سوداء انجذب إلىٰ الطحال ، وخاصيته تصيير الدم ذا متانة وقوام ، وإدخاله في غذاء الطحال والعظام.
وما كان بلغماً فهو في جميع الأعضاء ، وخاصيته ـ كما قالوا ـ : ترطيب المفاصل والأدوات الاُخر ، وصيرورته دماً عند احتياج الغذاء ، وهذا هو الدور النباتي.
ثمّ انجذب صفوة الدم
وزبدة الروح النباتي إلىٰ القلب ، فإذا نضجا وطبخا صار