الأمر ؛ إذا فاته الصواب فيه.
ثمّ إنّ السائل لمّا سأل من الله تعالىٰ المغفرة عن الذنوب الموصوفة بالأوصاف المذكورة ، انصرف عن التوصيف فقال : ( اللّهمَّ اغفر لي كلّ ذنبٍ أذنبته ) في مدة عمري ، صغيرة كان أو كبيرة ، عمداً كان أو سهواً ، قولاً كان أو فعلاً ، جناناً كان أو أركاناً ، سواءً كان صدوره عني في زمن الصبا والترعرع ، أو في أوقات البلوغ والتكليف ، فإنّك قلت في كتابك الكريم : ( إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) (١). ومن ذا الذي يغفر الذنوب جميعاً إلّا أنت ).
( اللّهُمَّ إنِّي أَتَقرَّبُ إلَيكَ بِذِكْرِكَ )
أي بذكري إياك ، اُضيف المصدر إلىٰ المفعول.
المراد بالذكر : إمّا معناه المصدري ، يعني : بتذكّري إياك في كلّ حال أتقرّب إليك ، أراد : أنّ غاية تذكّري إياك هي التقرّب إليك ، وكمال التقرّب إليه تعالىٰ هو التخلّق بأخلافه ، كما ورد : ( تخلّقوا بأخلاق الله ) (٢). وورد ( تخلّقوا بأخلاق الروحانيين ).
وحقيقة الذكر حضور المذكور لدىٰ الذاكر ، وهو تعالىٰ أجلّ ذاكر لأبهىٰ مذكور ، هو ذاته لذاته ، كما في الدعاء : ( يا خير الذاكرين ) (٣). فذكره تعالىٰ في مرتبة ذاته كلامه الذاتي ، وعلا بذاته الذي هو حضور ذاته بذاته لذاته ، بمعنىٰ : عدم انفكاك ذاته عن ذاته تعالىٰ. وفي مرتبة فيضه المقدّس وفعله الأقدس ذكره أمره الإيجادي ، وكلمة : « كُنْ » الوجودية. ولذا قال الشاعر :
فلمّا أضاء الليل أصبحت عارفاً |
|
بأنّك مذكور وذكر وذاكر |
_____________________________
(١) « الزمر » الآية : ٥٣. |
(٢) انظر « بحار الأنوار » ج ٥٨ ، ح ١٢٩. |
(٣) « المصباح » للكفعمي ، ص ٣٣٤.