وإمّا المراد بالذكر : وجهه تعالىٰ ، فإنّ البرهان الصحيح بدلنا علىٰ التثليث : الذاكر ، والذكر ، والمذكور. فالذاكر هو الله تعالىٰ ، والذكر : الوجود المنبسط ، والمذكور : مخلوقه ومصنوعه. وقد مرّ أنّ ذلك الوجود وجهه تعالىٰ.
فحينئذٍ مراد السائل أنّه يقول : أتقرب إلىٰ ذاتك الحكيم القديم بوجهك الكريم.
وإمّا المراد بالذكر : وجود السائل ، إذ قد عرفت أنَّ الوجودات بأسرها ، كما أنَّها إشراق الله تعالىٰ ، كذلك كلماته وأذكاره ، كما قال الله تعالىٰ : ( بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ ) (١) وقال : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) (٢).
وخير الأذكار : هو أن يصير وجود الذاكر عين ذكره تعالىٰ ، يعني : استشعر الذاكر بالعلم ثم بالعيان أنّ وجوده ذكره تعالىٰ ، كما قيل :
أگر مؤمن بدانستي كه بت چيست |
|
يقين کردی که دين در بت پرستى است |
أگر کافر ز بت آگاه گشتی |
|
کجا در دين خود گمراه گشتی |
يعني : لو علم المؤمنون الذين دخلوا في أوائل درجات الإيمان ، وقالوا : لا إله إلّا الله ، تقليداً ولساناً لا برهاناً وعياناً ، أنّ وجودات الأصنام كلّها من الله وإشراقاته ، وهو تعالىٰ أحاط بكلّ شيء علماً وقدرة ، وفي الحقيقة معطي الكمالات ليس إلّا هو ؛ لأيقنوا ـ هؤلاء المؤمنون ـ بأنّ عبادة الأصنام بذلك الاعتبار عبادة الله تعالیٰ ، وفي الحقيقة كذلك ، ولكن عبدة الأصنام لم يكونوا مستشعرين بهذا الأمر ، بل يعبدون نفس الأصنام بأنّها آلهتهم أو أدلّاء ، وشفعاؤهم عند إلههم ، وذلك كفر وإلحاد وملعنة.
فحينئذٍ مراده : إنّي أتقرّب إليك ، بسبب وجودي الذي هو من صنعك ، وكونك موجداً إياي ، وآخذاً بناصيتي ، تجرّها إليك.
_____________________________
(١) « آل عمران » الآية : ٤٥. |
(٢) « فاطر » الآية : ١٠. |