وإمّا المراد بالذكر : هو القرآن المجيد والفرقان الحميد ، كما سمّاه الله تعالىٰ به ، قال : ( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ) (١) ، وقال : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢).
فحينئذٍ مراده : أتقرّب إليك بكتابك ، يعني : بمواظبتي قراءته ، وممارستي التفكّر في محكماته ومتشابهاته ، وناسخه ومنسوخه ، وتأويله وتنزيله ، ومجمله ومفصّله.
والقرآن ـ من الفاتحة إلىٰ الخاتمة ـ وجوده الوجود اللفظي حين القراءة ، والوجود الكتبي حين عدمها لجميع الموجودات ، آفاقية والأنفسيّة ، إذ قُرّر في محله أنّ لكلّ شيء وجودات أربعاً : العينية ، والذهنية ، والكتيبة ، واللفظية. والعوالم كلّها متطابقة ، فكلّ ما في عالم من العوالم فهو في عالم أعلىٰ منه بنحو الأكملية والأتمّية ممّا في العالم الأدنىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (٣).
فالمراد بالكتاب المبين وإن كان هو العقل الأول والممكن الأشرف ، إلّا أن القرآن حقيقته ووجوده الكتبي كما قلنا ، فكلّ ما في اُم الكتاب بنحو اللف والبساطة فهو في الكتاب التدويني بنحو الكتابة والعبارة. والتفصيل يستدعي محلّاً آخر ونمطاً آخر غير ما سمعت.
وإمّا المراد بالذكر : أهل البيت عليهمالسلام ؛ لأنَّهم أهل الذكر وحاملو القرآن كما هو حقّه ، كما روي عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالىٰ : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) (٤) ، قال : ( نحن والله أهل الذكر ). فقيل : أنتم المسؤلون ؟ قال : ( نعم ). قيل : وعليكم أن تجيبونا ؟ قال عليهالسلام : ( ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا تركنا ) (٥). فهم عليهمالسلام بشراشر وجودهم ذكر الله تعالىٰ وفيضه.
وحينئذٍ مراده : أتقرّب إليك بأهل ذكرك ، يعني بمحبتهم وموالاتهم عليهمالسلام. فحُذف المضاف واُقيم المضاف إليه مقامه.
_____________________________
(١) « ص » الآية : ٨. |
(٢) « الحجر » الآية : ٩. |
(٣) « الأنعام » الآية ٥٩. |
(٤) « النحل » الآية : ٤٣. |
(٥) « الكافي » ج ١ ، ص ٢١٠ ، ح ٣ ، باختلاف.