وإن اُخذت بمعنىٰ القوة بعد الذلّة فمن باب التجريد ، إذ لا أوّليه لعزّته تعالىٰ ، ولا تكون له ذلّة حتّىٰ انصرف منها وصار عزيزاً ووجدت له عزّة بعد ذلّة ، بل هو العزيز المقتدر أزلاً أبداً ، لا يعتريه فترة ، تعالىٰ عن ذلك علوّاً كبيراً.
ولكنّ الحقّ ، أنّ عزّته تعالىٰ كسائر صفاته الحقيقية عين ذاته ، وكيف كان لها مقاوم ومقابل ، والحال أنّه لا ثاني له تعالىٰ : ( شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (١).
( وَبِعَظَمِتَكَ التي مَلأتْ كُلَّ شَيء )
العظمة : الكبرياء ، والتعظيم : التبجيل والتوقير ، وعظمة الفاعل تظهر بعظمة فعله ، ومن جملة أفعاله « الفلك الأقصىٰ » الذي هو عرش الله تعالىٰ ، إذ للعرش إطلاقات أربع :
قد يطلق العرش ويراد به علمه المحيط.
وقد يطلق ويراد به الفيض المقدّس.
وقد يطلق ويراد به عالم العقل.
وقد يطلق ويراد به الفلك الأطلس.
ولمّا كان هو من حيث الكمية والكيفية أعظم الأجسام ، وصفه تعالىٰ بالعظمة في كلامه المجيد ، وقال : ( رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (٢). وخصّه بالذكر ؛ إذ جميع الأجسام مشمولة ، وهو محيط بجميعها.
ومن جملة الأجسام : الفلك الثامن الذي يسمّىٰ بـ « الكرسي » ، ويشتمل علىٰ كرات وأجرام منيرة وكواكب مضيئة.
_____________________________
(١) « آل عمران » الآية : ١٨. |
(٢) « النمل » الآية : ٢٦. |