وهذا الترتب العلّي بين العقول العشرة علىٰ طريقة حكماء المشّائين (١) ، وأمّا علىٰ مذهب الإشراقيين (٢) لا ترتّب بينها ، بل هي عندهم متكافئة ، ولا نهاية لها.
والعرفاء يسمون العقول : أرباب الأنواع ، فالجبروت اسم لذلك العالم جملة.
فقد عُلم ـ بما ذُكر ـ أنَّ وجود العقول غالب ومقدّم علىٰ كلّ شيء ، لأنّه أصل في التحقق والجعل ، فهو غالب علىٰ جميع الماهيات ، وقاهر عليها بالحقّ بعد الحقّ ، فهو تعالىٰ إذا كان بجبروته ـ التي هي عالم من عوالمه ـ قاهراً علىٰ الأشياء ، فمقهورية الكلّ تحت نور ذاته الظاهرة لا خفاء بها ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (٣).
( وَبِعِزَّتِكَ التي لا يقَومُ لَها شَيءٌ )
العزّة : المغالبة والممانعة ، أو بمعنىٰ القوّة ، وجاءت لندرة الوجود.
وفي القاموس : « عزّ يعزُّ عِزّاً وعزّةً وعزازة ـ بكسرها في الثلاثة ـ : صار عزيزاً ، كمعزّز ، وقوي بعد ذلّة ، وأعزّه وعززه ، والشيءُ : قلّ فلا يكاد يوجد » (٤).
فإن اُخذت بمعنىٰ ندرة الوجود فباعتبار رؤيته تعالىٰ في صورة مظاهره الأكملين النادريّ الوجود الأقلّين ، كما قال عليهالسلام : ( هؤلاء الأقلون ) (٥).
وقيل :
خليلي قطّاع الفيافي إلىٰ الحمىٰ |
|
كثيرٌ وأما الواصلون قليلُ (٦) |
_____________________________
(١) انظر « كتاب المشارع والمطارحات » ضمن « مجموعة مصنفات شيخ الإشراق » ، ج ٢ ، ص ٤٥٠.
(٢) انظر « حكم الإشراق » ضمن « مجموعة مصنفات شيخ الإشراق » ج ١ ، ص ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٣) « الأنعام » الآية : ١٨. |
(٤) القاموس المحيط. |
(٥) مضمون حديث ورد بألفاظ مختلفة. انظر « بحار الأنوار » ج ٦٥ ، ص ٢٦٥ ، ٢٧٥ ، ج ٩٢ ، ص ٤٥٧.
(٦) نُسب هذا البيت إلىٰ عبد القادر الجيلي. انظر « الصوارم المهرقة » ص ٢٦٩.