لأنَّ كلّ العقول في تعقّلاتهم يتّصلون بالعقل الفعّال وبروح القدس ، كما هو مقرر عند الحكماء قاطبة ، فهي كمرائي حازت وجوهها شطر مرآة كبيرة فيها كلّ المعقولات ، فيفيض علىٰ كلٍّ قسطه بحسبه : ( وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من حدائقهم الباكورة ) (١).
بل الشفاعته منها : تكوينية ساريه ، ولكلّ موجود منها قسط بحسب دلالته علىٰ الله تعالىٰ ، كالنبوة التكوينيّة السارية ، وكالمعلّم بالنسبة إلىٰ الأطفال ، والرجل بالنسبة إلىٰ أهل بيته. ولهذا ورد (٢) أن المؤمن يشفع أكثر من قبيلة ربيعة أو مضر.
ومنه : شفاعة القرآن لأهله ، وأمثال ذلك.
لكن لمّا كان دلالتها بتعريف النبوّة وإرشاد الولاية في الظاهر أو في الباطن ـ وفي الشرائع والطرائق والحقائق : الفقهاء مظاهر الأنبياء ، والعرفاء مظاهر الأولياء والأوصياء ، ومناهج الظواهر والمظاهر في الأوائل والأواخر كأنهار أكابر وأصاغر ، من قاموس منهج خاتمهم ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( الشريعة أقوالي ، والطريقة أفعالي ، والحقيقة حالي ) (٣). وله السيدودة العظمىٰ علىٰ جميعهم ، كما قال صلىاللهعليهوآله : ( أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ) (٤) ، وقال : ( آدم ومَن دونه تحت لوائي يوم القيامة ) (٥) ـ ختم عليه الدلالة العظمىٰ في الاُولىٰ ، والشفاعة الكبرىٰ في الاُخرىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ) (٦) » (٧).
ثم قال : « إن قلت : كيف تتحقّق الشفاعة في الاُخرىٰ لمن يرتكب الكبائر ، ولا دلالة ولا هداية له في الاُولىٰ ؟
قلت : لا يمكن ذلك ، اذ له عقائد صحيحة ـ ولو إجمالية ـ متلّقاة من الشارع
_____________________________
(١) « بحار الأنوار » ج ٧٥ ، ص ٣٧٨ ، ح ٣ ، وفيه : « حدائقنا » بدل : « حدائقهم ».
(٢) انظر : « بحار الأنوار » ج ٨ ، ص ٥٨ ، ح ٧٥. |
(٣) « جامع الأسرار » ص ٣٤٦ ، ٣٥٩. |
(٤) انظر : « بحار الأنوار » ج ١٦ ، ص ٣٢٥ ، ح ٢١. |
(٥) انظر : « بحار الأنوار » ج ١٦ ، ص ٤٠٢ ، ح ١. |
(٦) « الضحىٰ » الآية ٥. |
(٧) « شرح الأسماء » ص ٦٢٥ ـ ٦٢٦. |