( عَلىٰ العَزِيمَةِ جَوانِحِي )
العزيمة : القصد علىٰ الفعل أو ما قبله.
واعلم أنّ الإنسان إذا أراد أن يفعل أمراً يتصوّره أولاً ، ثم يصدّق بفائدته تصديقاً ظنياً أو تخيّلياً أو يقينياً ، أنّ فيه منفعة أو محمدة أو صلاحاً ، وبالجملة : خيراً ما من الخيرات بالقياس إلىٰ جوهر ذاته ، فينعبث من القوة الشوقية لذلك شوق إلىٰ ذلك الأمر ، ويصير الشوق بعد الجزم عزماً وعزيمة ، وإذا حصل العزم يصير قصداً ، فالقصد كان الجزء الأخير الذي لا يتخلف عنه التحرك والفعل ، فالعزيمة ما قبل القصد.
ولعل السائل لم يفرق بينهما وأراد منها القصد.
والجوانح : جمع الجانحة ، وهي الضلع مما يلي الصدر.
( وَهَبْ لِيَ الجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ )
أي أعطني الجِدّ ، وهو بالكسر : الاجتهاد في الأمر ، خلاف التقصير.
الخشية والخوف بمعنىً واحد.
يريد السائل : أعطني توفيق تحصيل العلوم والمعارف ، وقضاء الطاعات حقها ، حتىٰ يحصل لي حق خشيتك ، إذ بالعلم والعمل يحصل الخشية من الله تعالىٰ كما قال : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (١).
وفي الحديث : ( أعلمكم بالله أخشاكم من الله ).
وفي دعاء الصباح : ( من ذا يعرف قدرتك فلا يخافك ، ومن ذا يعلم ما أنت فلا يهابك ).
( وَالدَّوامُ في الاتّصالِ بِخِدْمَتِكَ )
أي هب لي المداومة في خدمتك ، يعني : وفقني لأن أصرف جميع عمري في
_____________________________
(١) « فاطر » الآية : ٢٨.