مفعول لأجله ، وقيل : بدل اشتمال من اسم الجلالة في قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) [المائدة : ١٠٨] لأنّ جمع الرسل ممّا يشمل عليه شأن الله ، فالاستفهام في قوله : (ما ذا أُجِبْتُمْ) مستعمل في الاستشهاد. ينتقل منه إلى لازمه ، وهو توبيخ الذين كذّبوا الرسل في حياتهم أو بدّلوا وارتدّوا بعد مماتهم.
وظاهر حقيقة الإجابة أنّ المعنى : ما ذا أجابكم الأقوام الذين أرسلتم إليهم ، أي ما ذا تلقّوا به دعواتكم ، حملا على ما هو بمعناه في نحو قوله تعالى : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) [النمل : ٥٦]. ويحمل قول الرسل : (لا عِلْمَ لَنا) على معنى لا علم لنا بما يضمرون حين أجابوا فأنت أعلم به منّا. أو هو تأدّب مع الله تعالى لأنّ ما عدا ذلك ممّا أجابت به الأمم يعلمه رسلهم ؛ فلا بدّ من تأويل نفي الرسل العلم عن أنفسهم وتفويضهم إلى علم الله تعالى بهذا المعنى. فأجمع الرسل في الجواب على تفويض العلم إلى الله ، أي أنّ علمك سبحانك أعلى من كلّ علم وشهادتك أعدل من كلّ شهادة ، فكان جواب الرسل متضمّنا أمورا : أحدها : الشهادة على الكافرين من أممهم بأنّ ما عاملهم الله به هو الحقّ. الثاني : تسفيه أولئك الكافرين في إنكارهم الذي لا يجديهم. الثالث : تذكير أممهم بما عاملوا به رسلهم لأنّ في قولهم : (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، تعميما للتذكير بكلّ ما صدر من أممهم من تكذيب وأذى وعناد. ويقال لمن يسأل عن شيء لا أزيدك علما بذلك ، أو أنت تعرف ما جرى. وإيراد الضمير المنفصل بعد الضمير المتّصل لزيادة تقرير الخبر وتأكيده.
وعن ابن الأنباري تأويل قول الرسل (لا عِلْمَ لَنا) بأنّهم نفوا أن يكونوا يعلمون ما كان من آخر أمر الأمم بعد موت رسلهم من دوام على إقامة الشرائع أو التفريط فيها وتبديلها فيكون قول الرسل (لا عِلْمَ لَنا) محمولا على حقيقته ويكون محمل (ما ذا) على قوله : (ما ذا أُجِبْتُمْ) هو ما أجيبوا به من تصديق وتكذيب ومن دوام المصدّقين على تصديقهم أو نقض ذلك ، ويعضّد هذا التأويل ما جاء بعد هذا الكلام من قوله تعالى: (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) ، وقول عيسى عليهالسلام (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) الآية ـ فإنّ المحاورة مع عيسى بعض من المحاورة مع بقية الرسل. وهو تأويل حسن.
وعبّر في جواب الرسل ب (قالُوا) المفيد للمضي مع أنّ الجواب لم يقع ، للدلالة على تحقيق أنّه سيقع حتى صار المستقبل من قوة التحقّق بمنزلة الماضي في التحقّق. على