ـ ٦ ـ
الشيم والأخلاق
ضيق المعيشة ، وضنك الرزق ، وقلة الموارد قد تجعل المرء في لبس من تصديق ان البدوي لا يكذب ، وانه صريح القول ، ينفذ ما عزم على فعله وما قطع في امره ... وهو في هذه الحالة لا يشهد كذبا ، ولا يحابي ... وفيه من الشمم والإباء والعفة بمعناها الصحيح ، واكرام الضيف ، وحمى الجار والنزيل ما لا يوصف.
شاهدنا وقائع اعترف فيها البدوي انه قتل ، أو أنكر القتل فلم يحلف ، ولم يخن أمانة ، ووفى بعهده وهكذا .. وكم أخذتنا الحيرة في وقت لا نراه يقدم على الكذب وهو في أشد المواطن خطرا ، وأعظمها حرجا ...
نرى أوصافا كثيرة عند البدو ولا نجدها عند غالب اخوانهم من الحضر فكأن البداوة ملازمة للصدق ، والانفة من الخديعة والكذب ، وكأن الحضر غير منفكين من الأوصاف الرديئة الا من عصم الله تعالى ... ذلك ما دعا ان يأمن الحضري معاملته مع البدو ، ويتخوف البدوي من أهل المدن وحيلهم والطرق التي يتخذونها لسلب ما عنده ، فهو في حذر وخوف حتى انه اذا اشترى بضاعة يشترط أن تكون (سالمة ، مسلمة للمناخ) وهكذا ...
ونخشى في هذه الحالة أن تتطرق اليهم بعض صفات أهل المدن الرديئة ، وتنتقل عدواها وان القائمين بأمر اصلاح المجتمع يحتم عليهم الواجب ان يلاحظوا هذه المهمة ، وان يتذرعوا بوسائل مانعة من التسرب إلى هؤلاء ، وأن يسيروا بهم إلى التربية الحقة ...!