وهذه الفكرة اقرب للصواب في تعليل موضوع العوارف ، ولكنها قديمة جدا ، وحكام العرب في الجاهلية لم ينالوا منصب القضاء ، ولم يشتهروا الا لما فيهم من المواهب ، وان كان هناك آخرون لم يلجأ اليهم أحد ، والعارفة القدير يميل الناس اليه ولا يعدلون عنه كما انهم لا يجبرون على احد بعينه ...
٣ ـ محادثة مع عارفة :
قد جرت بيني وبين حسن بن عامود من شمر المحادثة التالية :
ـ هل تقرأ وتكتب؟
ـ لا!
ـ كيف تقضي بين الناس؟
كان آبائي وأجدادي عوارف ... وكنت أشاهد قضاياهم ، وأسمع ما حكموا به ، وتناقلوه ... وأنا أنظر في القضية ، وعندي قلب واع ... فماذا تريد وراء هذا؟
وكأنه يقول عرفت تاريخ الخصومات والعرف ممن سبقني ، وأدقق المسألة الموضوعة البحث ، ولي بصيرة وإدراك ... وهذه من وسائل معرفة المحق من المبطل ، وهي من دواعي الحكم ... هذا مع العلم بأن هذا العارفة ليس هو من أكبر العوارف وأعظمهم. (لم يكن منهى).
ولا أظن الحقوقي يحتاج إلى اكثر من معرفة تاريخ الحقوق ، والنظر في الموضوع ، واستعمال عقله فيه ... وبحق قال الزمخشري (العربان غربان) ... ولم يراع هؤلاء أصول مرافعات ، ولا قانونا يرجع اليه سوى المعهود من تعاملاتهم إلا أن القضايا السابقة التي كان قد حلها عارفة آخر قبلا تعتبر أساسا وليس للمتأخر أن يتعداها ، أو يتجاوزها في حكمه .. وكأن هذه المعلومية تكسبها قوة ويمهل المتضرر أن يأتي بدليل على هذا الحكم السابق. وهي بمثابة رجوع إلى فتاوى ، أو إلى مقررات محكمة التمييز ...