الناس ليحل العداء محل الحب بسبب عدم فهم بعضهم لغة بعض. ويتصل قول النظام هذا بالفكر اليهودى فى صورة أوضح حينما نقارنه بما جاء فى سفر التكوين من أن صراعا مريرا كان يدور بين الله وخلقه ، حتى لقد تغلب يعقوب ـ عليهالسلام ـ فخلع حق فخذه.
وخلاصة الفكر اليهودى : أن الله كما تصوروه : قابل للهزيمة ، بارع فى التآمر ضد عباده ، متردد فى أفكاره ، يقرر الشيء ثم يرجع عنه ، ويعالج هذا التردد بالكيد لعباده ، وهو نفس القول الذى ردده المختار الثقفى باسم (نظرية البداء) إذ كان الله يعده بالنصر ، ثم يبدو له أن يغير موقفه فيصيبه بالهزيمة.
أليس القول بأن العرب كان فى مقدورهم معارضة القرآن ولكن الله صرفهم عن ذلك ، وثيق النسب بهذا الفكر اليهودى المشبوه؟؟ وأ ليس التحدى ثم الصرف على هذه الصورة التى رسمها إبراهيم النظام عبارة عن ضرب من ضروب الخداع والهروب من الحقيقة جل الله تعالى عن مثله؟؟ أليس هذا القول يساوى نسبة خطأ التقدير إلى الله ، ثم التخلص من هذا الخطأ بلعبة تشبه ألعاب السياسة المعاصرة؟؟ وإلّا فكيف يتحدى الله العرب صراحة أن يأتوا بمثل القرآن ، أو بآية واحدة من مثله ، وهم مصروفون بطبيعتهم ، أو بصرفهم ـ سبحانه ـ عن الاستجابة للتحدى بوسيلة ما من وسائل الصرف؟ وهل يكون هذا العمل إلّا عبثا تجل عنه حكمة التدبير الماثلة أمام العالم والمعجزة له ، والهادية إلى مزيد من الإيمان فى الوقت نفسه؟؟
يقول الإمام السيوطى ردّا على هذا القول الذى قال به النظام ومن جرى مجراه : «إن هذا القول فاسد بدليل قوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ...) (١) الآية. فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم يبق لهم فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى مما يحتفل به. هذا مع أن
__________________
(١) سورة الإسراء : ٨٨.