الإجماع قد انعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن. ويلزم من القول بالصرفة زوال الإعجاز بزوال زمان التحدى ، وخلو القرآن من الإعجاز ، وفى ذلك خرق لإجماع الأمة على استمرار معجزة القرآن للرسول صلىاللهعليهوسلم بعد عصره».
وقال القاضى أبو بكر الباقلانى : «ومما يبطل القول بالصرفة : أنه لو كانت المعارضة ممكنة ، وإنما منع منها الصرفة ، لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون بالمنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره فى نفسه ، وليس هذا بأعجب من قول بعضهم : أن الكل قادرون على الإتيان بمثله ، وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجوه ترتيب أو تعلموه لو صلوا إليه به ، ولا بأعجب من قول آخرين : إن العجز وقع منهم ، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله».
أما الجاحظ فقد فضح أستاذه إبراهيم النظام فقال : «بعث الله محمدا صلىاللهعليهوسلم أكثرا ما كانت العرب شاعرا وخطيبا ، وأحكم ما كانت لغة ، وأشد ما كانت عدة .. وهو فى ذلك يحتج عليهم بالقرآن ، ويدعوهم صباحا ومساء إلى أن يعارضوه إن كان كاذبا بسورة واحدة ، أو بآيات يسيرة ، فكلما ازداد تحديا لهم بهم ، وتقريعا لعجزهم عنها ، تكشف من نقصهم ما كان مستورا ، وظهر منه ما كان خفيّا ، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا : أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف. قال : فهاتوها مفتريات. فلم يرم ذلك خطيب ، ولا طمع فيه شاعر .. فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم ، وكثرة شعرائهم ، وكثرة من هجاه منهم ، وعارض شعراء أصحابه ، وخطباء أمته ، لأن سورة واحدة ، أو آيات يسيرة ، كانت أنقض لقوله ، وأفسد لأمره ، وأبلغ فى تكذيبه ، وأسرع فى تفريق أتباعه من بذل النفوس ، والخروج من الأوطان ، وإنفاق الأموال ، وهذا من جليل التدبير الذى لا يخفى على من هو دون قريش والعرب فى الرأى والعقل بطبقات ...».