والتوحيد أول ما يلزم العبد من المعارف ، فكان هذا أول خطاب خاطب الله به الناس فى القرآن ، فخاطبهم بما ألزمهم أولا ، ثم ذكر سائر المعارف ، وبنى عليها العبادات فيما بعدها من السور والآيات.
فإن قيل : سورة البقرة ليست من أول القرآن نزولا ، فلا يحسن فيها ما ذكرت.
قلت : أول القرآن سورة الفاتحة ، ثم البقرة ، ثم آل عمران ، على هذا الترتيب إلى سورة الناس ، وهكذا هو عند الله فى اللوح المحفوظ ، وهو على هذا الترتيب كان يعرضه عليه الصلاة والسلام على جبريل عليهالسلام كل سنة أى : ما كان يجتمع عنده منه ، وعرضه عليه الصلاة والسلام فى السنة التى توفى فيها مرتين (١) ، وكان آخر الآيات نزولا : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) (٢) ، فأمره جبريل أن يضعها بين آيتى الرّبا والدين (٣).
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله فى هود : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (١٣) معناه : مثل البقرة إلى هود ، وهى العاشرة ، ومعلوم أن سورة هود مكية ، وأن البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنفال ، والتوبة مدنيات نزلن بعدها.
__________________
(١) نقل القرطبى ١ / ٦٠ عن أبى بكر بن الأنبارى : أن الله تعالى أنزل القرآن جملة إلى سماء الدنيا ثم فرق على النبى صلىاللهعليهوسلم فى عشرين سنة. وكانت السورة تنزل فى أمر يحدث ، والآية تنزل جوابا لمستخبر يسأل ، ويوقف جبريل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على موضع السورة والآية ...
فمن أخّر سورة مقدّمة ، أو قدّم سورة مؤخّرة ، فهو كمن أفسد نظم الآيات. وحديث عرض القرآن مرتين فى آخر حياة النبى صلىاللهعليهوسلم أخرجه أحمد فى المسند عن ابن عباس المسند ١ / ٢١٣ ، وموافقة ما فى مصحف عثمان للعرضة الأخيرة نقله القسطلانى عن الإمام أحمد ، وابن أبى داود فى المصاحف ، والطبرى من طريق عبيدة السلمانى ، ومحمد بن سيرين (لطائف الإشارات ١ / ٣٠ ، وانظر الإتقان ١ / ٧٧ ـ ٧٩) فقد استوعب السيوطى آراء العلماء فى ترتيب السور والآيات وأنها من الوحى ، وكذلك انظر مقدمة (تناسق الدرر فى تناسب السور) للسيوطى أيضا.
(٢) سورة البقرة : ٢٨١.
(٣) تفسير القرطبى ١ / ٦٠ ، ٦١ أخرجه عن ابن عباس ، خلافا لما روى عن البراء : أن آخر آية نزلت (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ...) [سورة النساء : ١٧٦].