وفسّر بعضهم قوله : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) «٧٣ : ٤» أى : اقرأه على هذا الترتيب من غير تقديم وتأخير ، وجاء النكير على من قرأه معكوسا (١) ، ولو حلف إنسان أن يقرأ القرآن على الترتيب لم يلزمه إلّا على هذا الترتيب ، ولو نزل جملة كما اقترحوا عليه بقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) «٢٥ : ٣٢» لنزل على هذا الترتيب ، وإنما تفرقت سوره وآياته نزولا لحاجة الناس حالة بعد حالة ، ولأن فيه الناسخ والمنسوخ ، ولم يكونا ليجتمعا نزولا.
وأبلغ الحكم فى تفرقة ما قاله سبحانه : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) «١٧ : ١٠٦» وهذا أصل تنبنى عليه مسائل ، والله أعلم.
٩ ـ قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) «٢ : ٢٣» بزيادة (مِنْ) السورة ، وغيرها (بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) «١٠ : ٣٨» ، لأن (مِنْ) تدل على التبعيض ، ولما كانت هذه السورة سنام القرآن (٢) وأوله بعد الفاتحة ، حسن دخول (مِنْ) فيها ليعلم أن التحدى واقع على جميع سور القرآن من أوله إلى آخره ، وغيرها من السور لو دخلها (مِنْ) لكان التحدى واقعا على بعض السور دون بعض ، ولم يكن ذلك بالسهل.
والهاء فى قوله : (مِنْ مِثْلِهِ) تعود إلى (مِمَّا) (٣) وهو القرآن ، وذهب بعضهم إلى أنه يعود على محمد عليه الصلاة والسلام (٤) ، أى :
__________________
(١) هذا هو رأى ابن مسعود وابن عمر. انظر تفسير القرطبى ١ / ٦١. وقد فسره القرطبى بقراءة السورة منكوسة أى من آخرها إلى أولها.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند ٥ / ٢٦ عن معقل بن يسار عن النبى صلىاللهعليهوسلم : «البقرة سنام القرآن وذروته ...» الحديث ، وفى الترمذى ٨ / ١٨١ عن أبى هريرة عن النبى صلىاللهعليهوسلم : «لكل شىء سنام وإن سنام القرآن البقرة» أخرجه الطبرانى وأبو حاتم وابن حبان فى صحيحه (مجمع الزوائد ٢ / ٤٤٧) ، والدارمى فى فضائل القرآن ٢ / ٤٤٧ عن ابن مسعود.
(٣) إشارة إلى ما فى قوله تعالى فى نفس الآية : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا ...).
(٤) وهو مدلول عليه فى الآية بقوله : (عَلى عَبْدِنا).