٣٢ ـ قوله : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) (١٧٠) ، وفى المائدة (لا يَعْلَمُونَ) (١٠٤) ، لأن العلم أبلغ درجة من العقل ، ولهذا جاز وصف الله به ، ولم يجز وصفه بالعقل (١) ، فكانت دعواهم فى المائدة أبلغ ، لقولهم : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) (١٠٤). فادعوا النهاية بلفظ (حَسْبُنا). فنفى ذلك بالعلم وهو النهاية. وقال فى البقرة : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) (١٧٠) ، ولم تكن النهاية (٢) فنفى بما هو دون العلم ، لتكون كل دعوى منفية بما يلائمها ، والله أعلم.
٣٣ ـ قوله : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) (١٧٣). قدم (بِهِ) فى هذه السورة ، وأخرها فى المائدة (٣) ، والأنعام (١٤٥) ، والنحل (١١٥) ، لأن تقديم الباء (٣) الأصل ، فإنها تجرى مجرى الهمزة والتشديد فى التعدى ، فكانت كحرف من الفعل ، فكان الموضع الأول أولى بما هو الأصل ، ليعلم ما يقتضيه اللفظ. ثم قدم فيما سواها ما هو المستنكر (٤) وهو الذبح لغير الله ، وتقديم ما هو الغرض أولى ، ولهذا جاز تقديم المفعول على الفاعل ، والحال على ذى الحال ، والظرف على العامل فيه ، إذا كان ذلك أكثر للغرض فى الإخبار.
٣٤ ـ قوله فى هذه السورة : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١٧٣) وفى السور الثلاث (٥) بحذفها ، لأنه لما قال فى الموضع الأول : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) صريحا كان نفى الإثم (٦) فى غيره تضمينا ، لأن قوله :
__________________
(١) لا يجوز وصف الله بالعقل ، لأن يعقل معناه : يحصر الشيء بإدراكه له عما لا يدركه ، ويقيده تمييزه له عن غيره مما لا يدركه ، أو معناه : حبس النفس عما تدعو إليه الشهوات. وليس فى الوجود شىء لا يدركه الله ، وليس له شهوة فيحتبس عنها (درة التنزيل ص ٣٩).
(٢) لأن قولهم : (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) لا يمنع أن يرجعوا عن اتباعهم آباءهم.
أما قولهم : (حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) فيفيد انتهاءهم إلى عقيدة آبائهم ، واستقرارهم عليها.
(٣) فى ب : لأن فى تقديم الباء فى الأصول ، وما أثبتناه أصح.
(٤) فى أ : المتكثر. وفى ب : المستكثر. والسياق يقتضى ما أثبتناه.
(٥) السور الثلاث : (الأنعام آية ١٤٥) ، و (المائدة آية ٣) ، و (النحل آية ١١٥).
(٦) فى الأصل : كان النفى ، وما أثبتناه أبعد من اللبس.