فقبض المجنون بكلتي يديه من الجمر ، فلم يزل حتى سقط مغشيّا عليه (١).
وكانت له داية يأنس بها ، فكانت تحمل إليه إلى الصحراء رغيفا وكوزا ، فربّما أكل وربّما تركه ، حتى جاءته يوما فوجدته ملقى بين الأحجار ميتا ، فاحتملوه إلى الحيّ فغسّلوه ودفنوه ، وكثر بكاء النّساء والشباب عليه ، واشتدّ نشيجهم (٢).
قال ابن الجوزي في «المنتظم» (٣) : روينا أنّه كان يهم في البرّيّة مع الوحش يأكل من بقل الأرض ، وطال شعره ، وألفه الوحش ، وسار حتى بلغ حدود الشام ، فكان إذا ثاب إليه عقله ، سأل من يمرّ من أحياء العرب عن نجد ، فيقال له : أين أنت من نجد ، أنت قد شارفت الشام ، فيقول : أروني الطريق ، فيدلّونه (٤).
وشعر المجنون كثير سائر ، وهو في الطبقة العليا في الحسن والرّقّة ، وكان معاصرا لقيس بن ذريح صاحب لبني ، وكان في إمرة ابن الزبير ، والله أعلم.
__________________
(١) الأغاني ٢ / ٢٥.
(٢) انظر : الأغاني ٢ / ٩٠.
(٣) في القسم الّذي لم ينشر بعد.
(٤) انظر : الأغاني ٢ / ٥٢.