عبد الرحمن بن مسور ، قلت : لبّيك ، قال : اختر درعا ، فاخترت درعا وما يصلحها ، وأنا يومئذ غلام حدث ، فرأيت أولئك الفرس غضبوا وقالوا : تخيّره علينا! والله لو جدّ الجدّ تركك ، فقال : لتجدنّ عنده حزما ، فلما كان القتال أحدقوا به ، ثم انكشفوا عنه ، واختلط الناس ، والمسور يضرب بسيفه ، وابن الزبير في الرعيل الأوّل يرتجز قدما ، ومعه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يفعلان الأفاعيل ، إلى أن أحدقت جماعة منهم بالمسور ، فقام دونه مواليه ، فذبّوا عنه كلّ الذّبّ ، وجعل يصيح بهم ، فما خلص إليه ، ولقد قتلوا من أهل الشام يومئذ نفرا.
قال : وحدّثني عبد الله بن جعفر ، عن أمّ بكر ، وأبي عون قالا : أمات المسور حجر المنجنيق ، ضرب البيت فانفلق منه فلقة ، فأصابت خدّ المسور وهو قائم يصلّي ، فمرض منها أياما ، ثم مات في اليوم الّذي جاء فيه نعي يزيد (١) ، وابن الزبير يومئذ لا يسمّى بالخلافة ، بل الأمر شورى.
زادت أمّ بكر : كنت أرى العظام تنزع من صفحته ، وما مكث إلّا خمسة أيام ومات. فذكرته لشرحبيل بن أبي عون فقال : حدّثني أبي قال : قال لي المسور : هات درعي ، فلبسها ، وأبى أن يلبس المغفر ، قال : وتقبل ثلاثة أحجار ، فيضرب الأول الركن الّذي يلي الحجر فخرق الكعبة حتى تغيّب ، ثم اتبعه الثاني في موضعه ، ثم الثالث فينا ، وتكسّر منه كسرة ، فضربت خدّ المسور وصدغه الأيسر ، فهشمته هشما ، فغشي عليه ، واحتملته أنا ومولى له ، وجاء الخبر ابن الزبير ، فأقبل يعدو ، فكان فيمن حمله ، وأدركنا مصعب بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير ، فمكث يومه لا يتكلّم ، فأفاق من الليل ، وعهد ببعض ما يريد ، وجعل عبيد بن عمير يقول : يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في قتال هؤلاء؟ فقال : على ذلك قتلنا ، فكان ابن الزبير لا يفارقه بمرضه حتى مات ، فولي ابن الزبير غسله ، وحمله فيمن حمله إلى الحجون (٢) ، وإنّا لنطأ به القتلى (٣) ونمشي بين أهل الشام ، فصلّوا معنا عليه.
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٦ / ٢٥٤ ب ، ٢٥٥ أ.
(٢) الحجون : جبل بأعلى مكة عند مدافن أهلها.
(٣) في الأصل «وانا لنطأ به القبلي».