وقال الواقدي : أنا ابن أبي ذئب ، عن صالح بن أبي حسّان ، أنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي ، عن أبيه ، وثنا سعيد بن محمد بن عمرو بن يحيى ، عن عبادة بن تميم ، كلّ قد حدّثني ، قالوا : لما وثب أهل الحرّة ، وأخرجوا بني أمية عن المدينة ، واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة ، وبايعهم على الموت قال : يا قوم اتّقوا الله ، فو الله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخلّ ويدع الصلاة ، قال : فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد ، وما يزيد على أن يشرب ، يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر ، وما رئي رافعا رأسه إلى السماء إخباتا (١) ، فلما قرب القوم خطب عبد الله بن حنظلة أصحابه ، وحرّضهم على القتال ، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال : اللهمّ إنّا بك واثقون ، فصبّح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا حتى كثّرهم (٢) أهل الشام ، ودخلت المدينة من النواحي كلها ، وابن حنظلة يمشي بها في عصابة من الناس أصحابه ، فقال لمولى (٣) له : احم لي ظهري حتى أصلّي الظهر ، فلما صلّى قال له مولاه : ما بقي أحد ، فعلام نقيم؟ ولواؤه قائم ما حوله إلا خمسة (٤) ، فقال : ويحك ، إنما خرجنا على أن نموت ، قال : وأهل المدينة كالنّعام الشرود ، وأهل الشام يقتلون فيهم ، فلما هزم الناس طرح الدّرع ، وقاتلهم حاسرا حتى قتلوه ، فوقف عليه مروان وهو مادّ إصبعه السّبّابة ، فقال : أما والله لئن نصبتها ميتا لطالما نصبتها حيا (٥).
وقال مبارك بن فضالة ، عن أبي هارون العبديّ قال : رأيت أبا سعيد الخدريّ ممعّط اللحية ، فقلت : تعبث بلحيتك! فقال : لا ، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام يوم الحرّة ، دخلوا عليّ زمن الحرّة فأخذوا ما في البيت ، ثم دخلت عليّ طائفة ، فلم يجدوا في البيت شيئا ، فأسفوا وقالوا : أضجعوا
__________________
(١) في نسخة القدسي ٢ / ٣٥٦ : «أحيانا» ، والتصويب من (الطبقات الكبرى ٥ / ٦٧).
(٢) في نسخة القدسي ٢ / ٣٥٦ : «كبر» ، والتصويب من (الطبقات الكبرى).
(٣) في نسخة القدسي ٢ / ٣٥٦ : «ولى» ، والتصويب من (الطبقات).
(٤) في (الطبقات الكبرى ٥ / ٦٧) : «ما حوله خمسة».
(٥) طبقات ابن سعد ٥ / ٦٧ ، ٦٨.