عرض لي ، قال : فزاده أبوه غيّا (١) فكتب إليه : أقبل على ما أمرت به إنّ الله يقول : في (٢) الشياطين (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٣) ولست بأفّاك ولا أثيم (٤).
وكان يجيء إلى أهل المسجد رجلا فيذاكرهم أمره ، ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن رأى ما يرضى قبل ، وإلّا كتم عليه ، وكان يريهم الأعاجيب ، يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده فتسبّح ، ويطعمهم فاكهة الصّيف في الشتاء ، ويقول : اخرجوا حتّى أريكم الملائكة ، فيخرجهم إلى دير مرّان (٥) فيريهم رجالا على خيل. فتبعه بشر ، كثير ، وفشا الأمر في المسجد ، وكثر أصحابه ، فوصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة ، قال : فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق ، ثم قال : إنّي نبيّ. قال : كذبت يا عدوّ الله ، ولا عهد لك عندي ، قال : فقال له أبو إدريس الخولانيّ : بئس ما صنعت إذ لم تلن حتّى تأخذه ، الآن يفرّ ، قال : وقام من مجلسه فدخل على عبد الملك بن مروان ، فأعلمه بالأمر ، وطلب فلم يقدروا عليه ، وخرج عبد الملك فنزل الصّنّبرة (٦) واتّهم عامّة عسكره بالحارث أن يكونوا يرون رأيه.
وأتى الحارث بيت المقدس مختفيا ، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه ، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس ، فأدخل عليه ، فأخذ في التحميد ، فسمع البصريّ كلاما حسنا ، ثم أخبره بأمره وأنّه نبيّ ، فقال : إنّ كلامك حسن ، ولكن في هذا نظر ، ثم خرج ، ثم عاد إليه ، فأعاد عليه كلامه ، فقال : قد وقع في قلبي كلامك ، وقد آمنت بك ، هذا الدّين المستقيم ، فأمر أن لا يحجب ، فأقبل البصريّ يتردّد إليه ويعرف
__________________
(١) في التهذيب «عناء».
(٢) في طبعة القدسي ٣ / ١٤٧ «تنزّل الشياطين» ، والتحرير من التهذيب.
(٣) سورة الشعراء ، الآية ٢٢٢.
(٤) تهذيب تاريخ دمشق ٣ / ٤٤٦.
(٥) دير مرّان : بضم الميم وتشديد الراء ، بالقرب من دمشق. (معجم البلدان).
(٦) الصّنّبرة : بالكسر ثم الفتح والتشديد ثم سكون الباء الموحّدة وراء. موضع بالأردن بينه وبين طبرية ثلاثة أميال ، كان معاوية يشتو بها.