مداخلة وحيله (١) وأين يهرب ، حتّى اختصّ به ، ثم قال : ائذن لي ، قال : إلى أين؟ قال : إلى البصرة أكون داعيا لك بها ، فأذن له ، فأسرع إلى عبد الملك وهو بالصّنّبرة ، ثمّ صاح : النّصيحة النّصيحة ، فأدخل وأخلي ، فقال له : ما عندك؟ قال : الحارث ، فلمّا ذكر الحارث طرح نفسه من سريره وقال : أين هو؟ قال : ببيت المقدس يا أمير المؤمنين ، وقصّ شأنه ، قال : أنت صاحبه ، وأنت أمير بيت المقدس ، وأمير ما ها هنا ، فمرني بما شئت ، قال : ابعث معي أقواما لا يفقهون الكلام ، فأمر أربعين رجلا من أهل فرغانة ، فقال : انطلقوا مع هذا فأطيعوه ، وكتب إلى عامل بيت المقدس : إنّ فلانا أمير عليك فأطعه ، فلمّا قدم أعطاه الكتاب فقال : مرني بما شئت ، فقال : اجمع لي إن قدرت كلّ شمعة ببيت المقدس ، وادفع كلّ شمعة إلى رجل ، ورتّبهم على أزقّة البلد ، فإذا قلت أسرجوا ، فأسرجوا جميعا ، ففعل ذلك ، وتقدّم البصريّ وحده إلى منزل الحارث ، فأتى الباب ، فقال للحاجب : استأذن لي على نبيّ الله ، فقال : في هذه الساعة ما نؤذن عليه حتّى نصبح ، قال : أعلمه أنّي إنّما رجعت شوقا إليه قبل أن أصل ، فدخل فأعلمه كلامه وأمره ، قال : ففتح الباب ، ثم صاح البصريّ أسرجوا ، فأسرجت الشموع حتّى كأنّه النهار ، ثم قال : من مرّ بكم فاضبطوه ، ودخل كما هو إلى الموضع الّذي يعرفه ، فنظر فإذا هو لا يجده ، فطلبه فلم يجده ، فقال أصحابه : هيهات ، تريدون أن تقتلوا نبيّ الله ، قد رفع إلى السماء ، قال : فطلبه في شقّ كان قد هيّأه سربا (٢) ، قال : فأدخل يده في ذلك الشّقّ ، فإذا بثوبه ، فاجترّه فأخرجه ، ثم قال للفرغانيّين : اربطوا ، فربطوه ، قال : فبينا هم يسيرون به إذ قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (٣). الآية. فقال أهل فرغانة : هذا كرآننا فهات كرآنك (٤) ، فسار به حتّى أتى به عبد الملك ، فأمر بخشبة فنصبت ، وصلبه ، وأمر رجلا بحربة فطعنه ، فأصاب ضلعا من أضلاعه ،
__________________
(١) بالأصل «خيله».
(٢) بالأصل «سرابا».
(٣) سورة غافر ، الآية ٢٨.
(٤) في تهذيب تاريخ دمشق : «هذه كرامتنا فهات كرامتك».