عمّته أمّ بكر ، وحدّثني شرحبيل بن أبي عون ، عن أبيه ، وحدّثني ابن أبي الزّناد ، وغيرهم أيضا قد حدّثني بطائفة من هذا الحديث ، قالوا : لم يزل عبد الله بن الزّبير بالمدينة في خلافة معاوية. فذكر الحديث إلى أن قال : فخرج ابن الزّبير إلى مكة ، ولزم الحجر ولبس المغافر (١) ، وجعل يحرّض على بني أميّة ، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحيّ والي مكة ، فبايعه ليزيد ، فقال : لا أقبل هذا حتّى يؤتى به في جامعة ووثاق ، فقال له ابنه معاوية بن يزيد : يا أمير المؤمنين ادفع الشّرّ عنك ما اندفع ، فإنّ ابن الزّبير رجل لجوج ولا يطيع لهذا أبدا ، وإن تكفّر عن يمينك فهو خير ، فغضب وقال : إنّ في أمرك لعجبا ، قال : فادع عبد الله بن جعفر فسله عمّا أقول ، فدعاه فذكر له قولهما ، فقال عبد الله : أصاب أبو ليلى ووفّق ، فأبى أن يقبل ، وامتنع ابن الزّبير أن يذلّ نفسه وقال : اللهمّ إنّي عائذ ببيتك ، فمن يومئذ سمّي العائذ.
وأقام بمكّة لا يعرض له أحد ، فكتب يزيد إلى والي المدينة عمرو بن سعيد أن يوجّه إليه جندا ، فبعث لقتاله أخاه عمرا في ألف ، فظفر ابن الزّبير بأخيه وعاقبه ، ونحّى ابن الزّبير الحارث بن يزيد عن الصلاة بمكّة ، وجعل مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يصلّي بالناس ، وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة ، ومصعب بن عبد الرحمن ، وجبير بن شيبة ، وعبد الله بن صفوان بن أميّة يشاورهم في الأمور ولا يستبدّ بشيء ، ويصلّي بهم الجمعة ، ويحجّ بهم ، وكانت الخوارج وأهل الأهواء كلّهم قد أتت ابن الزّبير ، وقالوا : عائذ بيت الله ، وكان شعاره لا حكم إلّا لله. فلم يزل على ذلك ، وحجّ عشر سنين بالناس آخرها سنة إحدى وسبعين ودعا إلى نفسه فبايعوه ، وفارقته الخوارج ، فولّى على المدينة أخاه مصعبا ، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع ، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهريّ ، وعلى اليمن آخر ، وعلى خراسان آخر ، وأمر على الشام الضّحّاك بن قيس ، فبايع له عامّة الشام ، وأطاعه النّاس ، إلّا
__________________
(١) كذا في الأصل بالغين المعجمة ، والمغفر هو خوذة يضعها المقاتل على رأسه في القتال.
وفي تاريخ دمشق «ولبس المعافري» بالعين المهملة ، وياء النسبة.