وروى ابن دريد ، عن شيخ له ، قال : كان الأصمعيّ بخيلا ، وكان يجمع أحاديث البخلاء (١).
وقال محمد بن سلّام الجمحيّ : كنّا مع أبي عبيدة في جنازة ، ونحن بقرب دار الأصمعيّ ، فارتفعت ضجّة من دار الأصمعيّ ، فبادر النّاس ليعرفوا ذلك ، فقال أبو عبيدة : إنّما يفعلون ذلك عند الخبز ، كذا يفعلون إذا فقدوا رغيفا (٢).
وقال الأصمعيّ : بلغت ما بلغت بالعلم ، ونلت ما نلت بالملح (٣).
وقد قال له أعرابيّ رآه يكتب كلّ شيء : ما أنت إلّا الحفظة تكتب لفظ اللّفظة (٤).
قلت : ومع كثرة طلبه واجتهاده كان من أذكياء بني آدم وحفّاظهم.
قال أبو العبّاس ثعلب ، عن أحمد بن عمر النّحويّ قال : لما قدم الحسن بن سهل العراق قال : أحبّ أن أجمع قوما من أهل الأدب فيبحرون بحضرتي.
فحضر أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، والأصمعيّ ، ونصر بن عليّ الجهضميّ ، وحضرت معهم. فابتدأ الحسن فنظر في رقاع كانت بين يديه ووقّع عليها ، وكانت خمسين رقعة. ثم أمر فدفعت إلى الخازن. ثم أقبل علينا وقال : قد فعلنا خيرا ، ونظرنا في بعض ما نرجو نفعه من أمور النّاس والرّعيّة ، فنأخذ الآن فيما نحتاج إليه. فأفضنا في ذكر الحفّاظ ، فذكرنا للزّهريّ ، وقتادة ، ومررنا ، فالتفت أبو عبيدة وقال : ما الغرض أيّها الأمير في ذكر ما مضى؟ وإنّما تعتمد في قولنا على حكاية ، عن قوم ، وتترك من بالحضرة هاهنا من يقول إنّه ما قرأ كتابا قطّ ، فاحتاج إلى أن يعود فيه ، ولا دخل قلبه شيء فخرج عنه؟ فالتفت الأصمعيّ وقال : إنّما يريدني بهذا القول أيّها الأمير. والأمر في ذلك على ما حكى ، وأنا أقرّب عليه. قد نظر الأمير فيما نظر فيه من الرّقاع ، وأنا أعيد ما فيها ، وما وقّع به
__________________
(١) تهذيب الكمال ٢ / ٨٦٠ ، طبقات المفسّرين ١ / ٣٥٥.
(٢) تهذيب الكمال ٢ / ٨٦٠.
(٣) تهذيب الكمال ٢ / ٨٦٠.
(٤) تهذيب الكمال ٢ / ٨٦٠.