الأنبياء ، وأنّ تلك البقعة إنّما اكتسبت القدسيّة والشرف بسبب ذلك النبيّ.
٤. لقد بلغت «هاجر» أُمّ إسماعيل بن الخليل مرتبة عالية عند الله تعالى بسبب صبرها وتحمّلها المتاعب في سبيله سبحانه ، ممّا أدّى إلى أن جعل الله موضع أقدامها محلاً للعبادة وأوجب على حجّاج بيته الحرام أن يسعوا كما سعت هاجر بين جَبلَي الصفا والمروة. وهذا ما يعترف به ابن القيم تلميذ ابن تيميّة. (١)
ونتساءل : إذا كان صبر «هاجر» على المكاره وتحمّلها المتاعب في سبيل الله تعالى قد مَنَحَ الكرامة لموضع أقدامها ، وأوجب الله على المسلمين أن يعبدوه سبحانه في ذلك المكان بالسعي بين الصفا والمروة ، فلما ذا لا يكون مدفن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ مباركاً ومقدّساً ، في حين أنّه تحمّل أنواع المصاعب والمصائب والمكاره من أجل إصلاح المجتمع وإرشاده؟!
٥. إذا كانت الصلاة عند القبر محرّمة في الشريعة الإسلامية ، فلما ذا قضت عائشة عُمرها وحياتها بالصلاة في البيت الخاصّ بها عند قبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ؟!
إنّ معنى قول رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على فرض صحّة الحديث : «لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (٢) هو أنّهم كانوا يعبدون أنبياءهم ويسجدون على قبورهم ، أو يجعلون قبورهم قبلة لهم. وكلا الأمرين مخالفان للشريعة المقدّسة وقد مضى تفسير الحديث وتوضيحه.
ولكنّ الوهّابيّين يستدلّون بهذا الحديث على حرمة الصلاة عند قبور أولياء الله سبحانه ، وقد عرفت أنّ السيدة عائشة ـ راوية هذا الحديث ـ قضت ما يقرب
__________________
(١) كتاب جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام : ٢٢٨.
(٢) السنن للنسائي : ٤ / ٩٦ ، طبع بيروت.