وكذلك أنشد حسّان قوله :
«فَسَقَى الغَمامُ بغُرَّة العبّاس».
وقال ابن حجر العسقلاني (١) :
«إنّ العبّاس دعا إلى الله تعالى بقوله : ... وقد توجّه الْقوم بي إليك لمكاني من نبيّك».
أيّها القارئ الكريم : لقد ظهر لك ـ بكلّ وضوح ـ أنّ التوسّل إنّما كان بشخصية العبّاس وجاهه ، وقد قال علماء البلاغة والأدب :
«تعليق الحُكم بالوصف مشعرٌ بالعِلّية».
يعني ترتّب الحكم على الوصف يدلّ على أنّ العلّة في ذلك الحكم هو الوصف ، فمثلاً يقول القرآن الحكيم :
(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ).
يعني : أنّ المرأة الّتي أنجبت مولوداً للزوج ، فعلى الزوج أن يتكفّل نفقتها ، فالحكم هو وجوب الإنفاق ، والوصف هو المولود الّذي أنجبته المرأة.
وإليك مثالاً آخر :
لو قال الوالد لولده : «احترم العالم» فإنّما هو لعلّة العلم والفضيلة الّتي فيه.
بناءً على هذا ... فإنّ قول عمر : «إنّا نتوسّل إليكَ بعمّ نبيّك» فيه بيان علّة التوسّل بالعبّاس دون غيره من الناس ، وأنّها لكونه عمّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، وقد ذكر العبّاس نفسه ذلك فقال : «لمكاني من نبيّك».
والخلاصة : بعد كلّ ما سبق ... يمكن القول ـ بالقطع واليقين ـ إنّ المسلمين في صدر الإسلام كانوا يتوسّلون بالأشخاص الصالحين الأزكياء.
__________________
(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ٢ / ٤١٣.