وارتكس في بدعته كأن لم يكن بينك وبينه نقاش ـ إلّا من رحم الله ـ وقد رأينا ذلك كثيراً في كثير ممّن لقينا من أهل الأهواء ـ نسأل الله العافية بفضله.
على أنّه لو سلّم أنّهم لم يعتقدوا لآلهتهم خلقاً ولا رزقاً ولا تدبيراً للأمر ، فهم يعتقدون فيها غير ذلك من خصائص الألوهية وهو وجوب نفوذ مشيئتها ، فإنّهم يرون أنّ شفاعتها مقبولة لا تردّ وليست متوقّفة على إذنه ، تعالى عمّا يقول الجاهلون به علوّاً كبيراً. ولذلك قال الله تعالى في القرآن ردّاً على هذا الزعم : (... مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ...).(١)
قال القاضي ناصر الدين البيضاوي في تفسيرها : «بيان لكبرياء شأنه ، ولأنّه لا أحد يساويه أو يدانيه يستقلّ بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلاً أن يعارضه عناداً ومناصبة» ، فانظر إلى قوله : «يستقلّ بأن يدفع ما يريده شفاعة» تجده صريحاً في اعتقاد وجوب ملاحظة مشيئتها معه عزوجل ، ووجوب نفوذ المشيئة من خصائص الربوبية كما لا يخفى. وهذا النوع من الشفاعة هو الشفاعة الشركية وهي الّتي أبطلها القرآن ، فإنّ اعتقادها كفر ، كما قال تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ ...) (٢) الآيتين. فانظر إلى قوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) وكما قال الله تعالى : (قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً ...) (٣).
أمّا الشفاعة الّتي يعتقدها أهل التوحيد وجاء بها الكتاب والسنّة فهي بعيدة من هذا بُعد الإيمان عن الكفر والنور عن الظلمة ، وهي دعاء الشافع للمشفوع فيه فيستجيب بفضله لمن شاء ، وهو معنى الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِهِ) ، والمراد هنا بالإذن الرضا كما قال في الآية الأُخرى (... وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ
__________________
(١) البقرة : ٢٥٥.
(٢) الزمر : ٤٣.
(٣) الأحزاب : ١٧.