بمعنى عدم وجود نظير لها في سواه عزوجل ، كما مرّ مفصّلاً في المقصد.
وإن كانت التسوية في استحقاقها للعبادة فهو يستلزم اعتقاد الاشتراك فيما به الاستحقاق ، وهو صفات الألوهية أو بعضها ، وإن كانت في العبادة نفسها فهي لا تكون من العاقل إلّا لمن يعتقد استحقاقه لها كربّ العالمين ، تعالى الله عمّا يشركون.
وكيف يُنفى عنهم اعتقاد الربوبية بآلهتهم وقد اتّخذوها أنداداً وأحبّوها كحبّ الله كما قال تعالى فيهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ...). (١) والأنداد جمع ندّ وهو على ما قاله أهل التفسير واللغة المثل المناوي ، فهذا ينادي عليهم أنّهم اعتقدوا فيها ضرباً من المقاومة للحقّ ، تعالى الله عمّا يقولون.
أمّا قوله تعالى فيهم : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) (٢) ونحوه ، فليس معناه أنّهم لا يثبتون لآلهتهم ربوبية ولا خاصّة من خواصّها ، بل معناه أنّهم إذا نوقشوا اعترفوا بالحقّ الّذي فطر الله عليه النفوس ، ودلّت عليه الكائنات ، ثمّ ما أسرع ما يرجعون إلى اعتقاد الربوبية الباطلة في آلهتهم ، فينتكسون ويرتكسون كما قال عنهم في آية أُخرى : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) (٣) وكقوله تعالى في طائفة منهم : (... كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها ...) (٤) وليس ذلك بعجيب ممّن اتّخذ إلهه هواه ، وإنّك لتشاهد بين أهل الأهواء من تناقشه في بدعته ويصغي إليك فيقتنع بالحجّة وقت المناقشة ويعترف بمخالفته للحقّ وتظهر فيه مخايل الإنصاف ، فإذا انقضى المجلس عاد إلى ما ألِف من الهوى ،
__________________
(١) البقرة : ١٦٥.
(٢) الزخرف : ٨٧.
(٣) النحل : ٨٣.
(٤) النساء : ٩١.