إلّا أنّ في القرآن آيات تدلّ ـ بوضوح ـ على أنّ طلب هذه الحوائج من الأنبياء والأولياء أمرٌ حقيقي وليس مَجازاً ، فإنّنا إذ نطلب من المعصوم نفسه ـ القادر على المعجزة ـ بأن يشفي المريض ـ الّذي صعب علاجه ـ فإنّ ذلك يتحقّق بحول الله وقوّته.
صحيح أنّ القرآن الكريم يعتبر الشفاء من اختصاص الله تعالى فيقول :
(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). (١)
إلّا أنّه في الوقت نفسه ينسب الشفاء إلى القرآن والعسل أيضاً فيقول :
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ...). (٢)
(... يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ ...). (٣)
(... قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ ...). (٤)
والسؤال الآن : ما هو وجه الجمع والتوافق بين هذه الآيات؟
الجواب ـ إنّ النظر الصائب في الجمع بين هاتين المجموعتين من الآيات الّتي تجعل الشفاء من اختصاص الله تعالى ، وتثبته للعسل والقرآن والمواعظ الإلهية : هو أنّ الله سبحانه مؤثِّرٌ في الأشياء بالاستقلال ، ومعتمدٌ على ذاته المقدّسة في الأُمور كلّها ، بينما العسل والقرآن والمواعظ الإلهية تترك تأثيرها في الأشياء بإذن الله وإرادته سبحانه.
إنّ النظرة الإسلامية ـ إلى الكون والحياة ـ تعتبر جميع العوامل والمؤثّرات تابعة لإرادة الله وقادرة على التأثير بإذنه سبحانه ، وأنّ العلل والأسباب لا تملك أدنى استقلال لها أبداً من دون فرق بين الأسباب الطبيعية والروحية.
__________________
(١) الشعراء : ٨٠.
(٢) الإسراء : ٨٢.
(٣) النحل : ٦٩.
(٤) يونس : ٥٧.