٢. إنّ الأُمور الأربعة المذكورة أثبتت ـ بالدليل والبرهان ـ أنّ أولياء الله يملكون القدرة على قضاء حاجة المتوسّل ، نظراً لحياتهم عند الله ، وأنّ كلّ ما يصدر منهم إنّما هو بإذن الله تعالى ، فهم من مصاديق قوله تعالى :
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
فمثلاً : كما أنّ النبيّ عيسى ـ عليهالسلام ـ كان في حياته المادّية في الدنيا يسأل الله تعالى الخير لمن يريد ، أو يُبرئ الأكمه والأبرص (١) بإذن الله كذلك يملك هذه القدرة بعد الانتقال إلى عالم الأرواح «البرزخ» لأنّ روحه ـ الّتي هي حقيقته ـ باقية.
٣. إنّ التواضع والخضوع أمام قبور أولياء الله هو ـ في الحقيقة ـ تواضعٌ لله وخضوعٌ له ، وإن كان في ظاهره تواضعاً لذلك الوليّ الصالح ، إلّا أنّه لو كشفنا الستار عن قلب ذلك المتواضع لرأينا أنّه يتواضع لله من خلال تواضعه لوليّه الصالح ، وأنّه يطلب حاجته من الله بواسطة هذا الوليّ الصالح وبسببه ، فالتوسُّل بالأسباب هو عين التوسُّل بمسبِّب الأسباب ـ وهو الله سبحانه ـ وهذا واضح لأهل البصيرة والمعرفة.
وأنت لو سألت المتوسِّل بأولياء الله عن الّذي دعاه إلى التوسُّل به ، لأجابك ـ فوراً ـ بأنّه «وسيلة» إلى الله سبحانه ، كما قال تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (٢)
فكما أنّ الإنسان يتوسّل إلى الله بالصلاة والصوم والعبادات والطاعات ، كذلك يتوسّل إليه سبحانه بأوليائه الصالحين المكرَّمين لديه.
__________________
(١) الأكمه : الّذي وُلد أعمى. البرص : مرض جلدي يكون بظهور بُقَع بيضاء في الجسم.
(٢) المائدة : ٣٥.